مع الاعتماد المفرط للكثير من الاشخاص على " الواتساب " في معرفة الاخبار وتبادل الافكار والنقاش مع الاخرين والتسلية والاطلاع على اخر مستجدات الاوضاع في العالم، فان عملية تناقل الفيديوهات والصور والاخبار على منصته، من غير التحقق من دقتها ومصداقيتها، قد اصبحت سلوكا شائعا ومتفشيا في اغلب المجموعات المنبثقة من هذا التطبيق الذي يبلغ عدد المشتركين فيه مليار و 200 مليون مشترك بحسب ما جاء في منشور الرئيس التنفيذي للفيسبوك مارك زوكيربيرج على صفحته الشخصية في الرابع من ايار هذا العام.
اهمية هذه المنصة والمؤشرات التي تدل على اثرها في حياة كل انسان يمكن الكشف عنها بسهولة في ردة الفعل الذي حدثت بعد ان حصل، في مساء الثالث من شهر أيار الماضي، عطل مفاجئ بالتطبيق، حيث توقفت خدمة الواتساب واصابها خللا ادى لتوقف التطبيق نهائيا، ما ادى الى ارباك ملايين المستخدمين في العالم الذين شعروا بفراغ كبير في ابان تعطيل التطبيق، لدرجة ان بعض الكتّاب قد استقرأوا ردود الأفعال حول ما حصل، فكتبوا مقالات او تقارير صحفية تدل عناوينها على هول ما حدث للمستخدمين، وقد لفت انتباهي بعض منها، مثل مقالة " ليلة سقوط واتساب تربك العالم" ومقالة " العالم يسيطر عليه الواتساب"، كما سأل بعضهم متهكما : كيف قضى السعوديون ليلة تعليق رسائل الواتساب؟.
الاهتمام او الولع الكبير بهذا التطبيق، الذي تم بيعه للفيسبوك عام 2014 بثمن قدره 19 مليار دولار، وامسى التطبيق الأشهر في تبادل الرسائل حول العالم، تجسد بوضوح من خلال حجم ما يتم تبادله من رسائل بين مستخدميه في كل ساعة بل في كل دقيقة، اذ تشير الاحصائيات الى تبادل 42 مليار رسالة يوميا بين مستخدميه، بالإضافة الى ان التطبيق يرصد على منصته كل يوم حوالى 1.6 مليار صورة فوتوغرافية، و250 مليون ملف فيديو، كما ان هنالك اكثر من 55 مليون مكالمة فيديو بزمن قدره 340 مليون دقيقة تجري في اليوم، ونجد ايضا ان مستخدمي خاصية " حالتي " الجديدة نسبيا فيه قد تجاوز ال 175 مليون بعد أقل من ثلاثة أشهر من إطلاقها متفوقة على نظيرتها في تطبيق السناب شات الذي قام الواتساب بتقليدها.
الرسائل في التطبيق، مثل النصوص والصور والفيديوهات والمكالمات الصوتية، مشفرة من نوع end-to-end encryption لجميع مستخدميه، وهو نوع من التشفير يمنع الطرف الثالث سواء كانت الحكومات او الهكر او حتى الواتساب نفسه من الاطلاع على مضامين الرسائل، على الرغم
من زعم موقع ويكيليكس بإن وكالة المخابرات المركزية CIA تستطيع ان تقوم بذلك وتتجاوز تشفير بيانات تطبيق الواتساب، بالاضافة الى تطبيقي التيلغرام والسيغنال.
وتعتري عملية نقل هذه الرسائل العديد من الأخطاء التي تؤثر بشكل كبير على عملية معرفة وادراك الكثير من الحقائق، فهي تزيّف الصورة الصحيحة وتساهم بنشر اخبار غير حقيقية، بل وتعمل، أحيانا بقصدية، على تضليل المستخدمين حول العديد من المواضيع التي يتم تداولها في هذه المجاميع من خلال ظاهرة نشر موضوعات معينة من غير التأكد من مصدرها او من الدلالة والمعاني التي تشير لها او التوقيت الزمني المرتبط بها.
وترتسم معالم هذه الظاهرة، وهي فعلا ظاهرة، من خلال بعض السمات، التي لاحظتها وانا اتجول بين ثنايا هذه المجاميع الرقمية، واشتراكي بها، وهي كالآتي ؛
اولا ؛ ان محاولة الظهور بمظهر الشخص الذي يعلم قبل غيره، او من يريد الاخرين ان يستفيدوا من مضمون الرسالة او تمرير رسالة تؤيد توجهات المُرسل، هي اهم الاسباب الرئيسية التي تقف وراء دافع نقل الرسائل بين المجاميع الرقمية من غير ان يتسنى له النظر في فحواها او التأكد من مصدرها.
ثانيا ؛ نقل الفيديوهات والصور والاخبار غير الصحيحة لا يتم من خلال الأشخاص البسطاء ومن يمتلكون نصيبا قليلا من الثقافة فحسب، بل ينقله المثقفون والاعلاميون والسياسيون وفي مجموعات تضم نخبة منهم بشكل يثير الاستغراب حول مستوى ادراكهم ومعايير قبولهم للخبر !.
ثالثا؛ ان عملية نقل الرسائل يتم تكراره عدة مرات في نفس المجموعة برغم التنبيه بانه قد تم نشره او تفنيده، ما يعني ان الكذبة تتكرر لأكثر من مرة، ما يساهم في تعزيزها بدرجة ما.
رابعا؛ ان نقل الرسائل غير الصحيحة لا يتم في مجموعة واحدة، بل يتم نقلها لمجموعات أخرى من قبل نفس الشخص، فلا يكتفي بوضعها في مجموعة معينة فقط، بل يضعها في عدة مجاميع يشترك فيها، وفي هذا نشر مجاني للكذبات !.
خامسا؛ ان التسرع بقبول مضمون اي رسالة يعد سمة للشخصيات غير الواعية ممن لا تمتلك قدرة على النقد والمراجعة والنظر فيما تقرأ والتأكد من حقيقته.
سادسا؛ ان ناقل الخبر لا يكلف نفسه عناء التأكد من المصدر او اعمال العقل في مضمونه ومحتواه ومدى مطابقته للحقيقة والواقع ومجريات الاحداث، فهو ببساطة ينقل الاكاذيب ويكتب تحتها منقول! او كما وصلني! ظنا منه ان هذه العبارات سوف تبرر سلوكه او تحجب عنه النقد والرفض لتصرفه.
سابعا: ان بعض المشتركين في المجموعات يقوم فورا بنسخ ما يتم نشره في المجموعة الذي هو عضو فيها، ويقوم بتمريره لمجموعات أخرى قبل ان ينظر أصلا في مضمونها بل اكاد اجزم انه لم يقراها أصلا.
ان ما يحدث في مجموعات الواتساب من تداول للأخبار الكاذبة يعد احدى الجوانب المظلمة السلبية لتطبيقات التراسل الفوري، اذ من خلال هذا السلوك الساذج يتم تسويق الأكاذيب وتضليل المستخدم حول موضوع ما يتم التلاعب به ثم تمريره، عن عمد أحيانا، الى بقية المستخدمين الذين يتقبلون مايُرسل لهم بعفوية من غير ان يشككوا في مصداقيته.
مهند حبيب السماوي
باحث في مجال التواصل الاجتماعي https://twitter.com/alsemawee