قد يعترض البعض على إقحام مصطلح " علم" على مفردة الميتافيزيقيا لأنها أول ما تعني في أذهان الناس العاديين، الخرافات والغيبيات والأساطير والماورائيات وهي مفاهيم ترتبط بالأديان والفلسفات وليس بالعلم . وإن من يمارس الفكر الميتافيزيقي هم الكهنة والعرافين والمشعوذين والسحرة ورجال الدين وليس العلماء. ولكنكيف لنا أن نعرف الميتافيزيقيا أو ما بعد الطبيعة ؟ وهل يمكن أن تصبح الميتافيزيقيا يوما ما علماً في مصاف العلوم الطبيعية الأخرى كالفيزياء والكيمياء والبيولوجيا أو علم الأحياء والرياضيات وغيرها من العلوم الحديثة؟ من زاوية إيتمولوجية إشتقاقية étymologique، فإن مفردة ميتافيزيقيا تعني " البحث عن الطريقة التي بموجبها يمكن لمعنى أو جوهر ما، مدرك على نحو ما،من قبل الإنسان أن يأخذ بالاعتبار الثغرات التي ينطوي عليها أي تطور عقلاني للإنسان الذي يدرس أو يتفحص أو يستقصي سر العالم. وبالتالي فإن الفيزياء هي التعاطي مع الــ " كيف" commentوالميتافيزيقيا هي التعاطي مع الــ " لماذا" pourquoi.
كانت الميتافيزيقيا اقرب للفلسفة والدين منها للعلم على مر القرون، وهي الخطاب الذي يعالج الروح والوعي والحياة ما بعد الموت ويتعاطى مع الماورئيات والعلم الباطن ، وبكلمة واحد الميتافيزيقيا هي الأداة التي تعيننا في البحث عن الإله وتساعدنا في البحث عما وراء المنظور والمرئي، إنها تتسامى على الفيزياء وتتجاوزها لأن حقل الفيزياء محدود بالمادة. الأدوات العلمية والبحثية مفيدة ومهمة و لازمة للميتافيزيقيا. ففي الثيولوجيا الطبيعية ، على سبيل المثال، نستخدم أسلحة المنطق لنثبت وجود الله ، ونستخدم معرفتنا بالكون المرئي والقوانين التي تسيره لنفس الغاية والهدف لكنها غير كافية لبلوغ المستوى المتسامي حقاً، وعندما تتسامى الفيزياء وتبلغ مستواها الفائق تصبح في نظر البشر ميتافيزيقيا إلا أنها في حقيقة الأمر فيزياء راقية متطورة وعلمية بحتة أي قابلة للتجريب والقياس . هناك التماثل والتناظر المطلق في الكون المرئي وهناك ثنائية المادة واللامادة أو التي اصطلح البشر على تسميتها بالروح. فالمادة الكونية معروفة سواء بصيغتها الملموسة الواقعية أو الغامضة، السوداء والداكنة، مع نظيرتها المادة المضادة، ولكن اللامادة أو الروح وملحقاتها كالوعي والنفس والحياة، هي التي ما تزال تقبع في عالم الغموض والمجهول، بالنسبة لمستوى البشر العلمي في الوقت الحاضر. ففي الكون المرئي توجد جسيمات مادية أولية معروفة ومصنفة علمياً في نطاق اللامتناهي في الصغر الذي تدرسه ميكانيك الكموم أو الكوانتوم وفيزياء الجسيمات الأولية، ويقابلها بنفس الكم تقريباً ، ومنذ بداية الكون المرئي، عدد من الجسيمات الأولية المضادة ، في نطاق المادة الملموسة والقابلة للرصد والقياس والتجريب، ، وهذا ما يعرفه العلماء، ولكن مايجهلونه هو وجود جسيما أولية بنفس الكمية لكنها من ماهية مختلفة تماماً غير قابلة للرصد والقياس بالأجهزة المادية المعروفة لدينا ، وهي بدورها كذلك ثنوية تماثلية ومتناظرة أي لديها جسيمات مضادة من نفس الماهية المجهولة بالنسبة لنا وهي تملأ الكون المرئي، وبدونها لا يمكن لأي جسيم مادي أولي أن يوجد ويعيش ويتواجد فيزيائياً بدونها، وهذه الجسيمات الأولية الخفية المجهولة الماهية ، على نحو يختلف عن غموض ماهية المادة السوداء والطاقة السوداء الماديتين، والعصية على أجهزة الرصد والقياس المادية، يعتقد أنها جسيمات الروح أو الجسيمات الروحية ، ونحن نلجأ لهذه التوصيفة لافتقادنا لغوياً لمفردات أوضح لتمييزها عن الجسيمات المادية العادية ، ويعتقد أنها تحمل سر الحياة حيث عند الشيخوخة أو عند وقوع حادث ينهي الحياة ، فإن التوازن الكائن بين الجسيمات المادية والجسيمات الروحية ينفصم وتبدأ الجسيمات المادية بالاندثار والتحلل لتعود إلى الطبيعة المادية فيما تحاول الجسيمات الأولية الروحية الالتحاق بالروح الجمعية التي تملأ الكون المرئي بحثاً عن توازن جديد في جسم مادي جديد. ولولا هذا التوازن المطلق لما ظهر الكون المرئي ولما ظهرت الحياة فيه، سواء كانت منتشرة في كل مكان أو محدودة في عدد صغير من الكواكب والأنظمة الشمسية . من هنا يمكننا أن ننطلق من مقاربة فلسفية ــ ثيولوجية تقول بوحدة الوجود ما يعني أن لكل شيء موجود دور ما ولا يمكن أن يكون وجوده عبثياً لا غاية له، أي أن هناك علاقة سببية وترابط غير مرئي يتجاوز المكان والزمان. فكل شيء مترابط داخل الكون المرئي وهذا ما ظهر وثبت علمياً عند دراسة فيزياء الجسيمات ونظرية الكموم وميكانيك الكوانتوم حيث تم اثبات وجود علاقة قائمة بين جسيمين ـ إلكترونين على سبيل المثال، مهما كانت المسافة الفاصلة بينهما حتى لو كانا موجودين على طرفي الكون المرئي المتناقضين والمتقابلين . ووفق نظرية الأوتار الفائقة ونظرية التناظر الفائق والنظرية م M ونظرية كل شيء وتعدد العوالم والأكوان المتعددة وتعدد الأبعاد، فإن هناك تعدد كوني لا متناهي العدد، أي هناك عدد لامتناهي من الأكوان على غرار كوننا المرئي تشبهه أو تختلف عنه، موازية له أو متداخلة معه، ما يعني أن كوننا المرئي لا يتعدى كونه مجرد جسيم كوني غاية في الصغر في بنية وتركيبة وتكوين الكون المطلق الحي الأشمل اللامحدود ، السرمدي والأبدي، والأزلي، وكل ما في داخله من أكوان ـ جسيمات ، هي مكوناته الأولية، يتفاعل في داخله في عملية خلق وتطور دائم ، أي أن الكون المطلق هو كائن حي لامحدود لا بداية له ولا نهاية، يحتوي على مكونين مادي وروحي، وربما مكونات أخرى لانستطيع حتى تخيلها ولا معرفة قدراتها وصفاتها وميزاتها، أي هناك تفاعل وتكامل وتبادل واعتماد بين الأكوان ـ الجسيمات الأولية المادية والروحية ، بمعنى أن هناك روح كلية أو جمعية ومادة كلية أو جمعية ، أي هناك مكون مادي جمعي، ومكون روحي جمعي، شاملين وكاملين ومتكاملين وكل ما هو موجود يقع ضمن حيز بدون حدود ولا حواف، أساسي وجوهري ، ونحن جزء أساسي منه مثلما هي المجرات والنجوم والكواكب والكائنات الكونية الأخرى البشرية وغير البشرية ، تسبح جميعها في اللامتناهي في الكبر . وهذه ليست مقاربة ميتافيزيقية بمفهوم البشر، بل فرضية علمية لكنها تحتاج لبضعة ملايين من السنين لإثبات صحتها.
ولو اختصرنا الطرح بمقاربة اختزالية لقلنا:
أن الله موجود باعتباره ضرورة لكنه قطعاً ليس الله الذي رسمته لنا ووصفته الأديان . وإن الكون المطلق الشامل والحي اللامحدود ، يحتوي على عدد لامتناهي من الأكوان وهذا التعدد اللامتناهي هو في الحقيقة واحد متعدد الخواص والصفات نسميه نحن البشر بالأكوان المتعددة والمختلفة، والاختلاف بينها ناجم عن اختلافات سرعة الضوء فيها التي تتحدد بين الصفر و اللانهاية،وهي أكوان زوجية ثنائية متوازية وكلها تنصب في وعاء يمكن تسميته بكون الأكوان، والروح موجودة بصورة جمعية وجزئية في آن واحد وتوجد في كون تنعدم فيهسرعة الضوء وهناك كون متميز للوعي الجمعي وسرعة الضوء فيه لامتناهية وكتلته لا متناهية وهو موطيء الأرواح الحرة الشاردة التي لم تجد عديلها ونظيرها المادي بعد، وهو ما نسميه الماوراء وهو في آن واحد مطهر وفردوسي وجحيمي الصفة، ألا وهو اللاوعي الجمعي المقابل للوعي الجمعي وفق نظرية التماثل والتناظر الثنوي والذي يغذينا بالمعلومة الفوقية الخالدة والجامعة والضرورية لتطورنا إلى جانب وظائف أخرى هائلة لا نعرف عنها شيئاً في الوقت الحاضر.
الروح الجمعية ذات بعد واحد تقبع في كون يفتقد للطول والعرض والارتفاع والعمق وخالي من الكتلة والطاقة و لايمكن تصوره أو تخيله من قبل البشر وحواسهم القاصرة. كما لا يوجد فيه زمن كالذي نعرفه وبالتالي لايمكننا القول أن الروح خالدة لأن الخلود مرتبط بالزمن إلا أنها موجودة ولا يمكن تدميرها أو فنائها ولا نستطيع وصفها بالوجود المألوف لدينا لأن الوجود بالنسبة لنا هو بالضرورة مرئي أو محسوب أو قابل للرصد والقياس وبعكس ذلك فهو غير موجود بالنسبة لنا كما هو حالنا مع المادة والطاقة. وبالرغم من أنها غير مكونة من مادة معلومة الماهية إلا أنها تحوز على قدرة لا محدودة في الخزن للمعلومة لا سيما تلك الناجمة عن سيرورتنا التفكيرية ونتاج عقولنا ومشاعرنا وأحاسيسنا المختلفة كالرؤيا والمشاهدة والسمع واللمس والشم والتذوق الخ.. ينبغي القول أن اللغات البشرية عاجزة عن تقديم وصف للحالة وكل ما نعرفه أن هناك حضارات كونية متقدمة تمكنت من اكتشافها علمياً كالأوميين les Oummites، إن خصائص الروح الكونية الجمعية تفوق بما لا نهاية أجهزتنا القياسية والحسابية والرصدية .
هناك بديهية علمية تقول أن العلم يقيم وجود عامل أو فاعل facteur وفق المؤثرات التي ينتجها ويؤثر بها ، ومن هنا فإن الروح تنتج مؤثرات داخل كوننا المرئي المادي الخاضع لدفقات وتدفقات الزمن لأننا موجودون ونتأثر بالزمن كما هو حال الكواكب خارج منظومتنا الشمسية التي تفلت من نطاق حواسنا و لاقدرة لتلسكوباتنا على رصدها مباشرة مهما كانت متطورة ومتقدمة تكنولوجياً، إلا أننا قادرون على رصدها من خلال التأثيرات الثقالية التي تنتجها كتلها على ما يحيط بها سواء كان قريباً أو بعيداً، وبدراسة تأرجحات وترددات نجومها حول مركز ثقالي يترجم على نحو مباشر وجود الكواكب الضخمة العملاقة ذات الجاذبية المحسوسة.
تمكن عالم من علماء كوكب أومو من اكتشاف أو رصد ذرات الكريبتون التي كانت مدفونة داخل l'hypothalamus لإمرأة شابة كانت تخضع لإجراء تجارب علمية حقيقة وحساسة عليها وتحليلها. والكريبتون غاز نادر في الكون المرئي وهو غاز محايد ومستقر جداً و لا يتفاعل عادة مع محيطه حتى لو كان وسطاً بيولوجياً حياً. ولكن من الطبيعي أن اكتشاف بضعة ذرات من الكريبتون في أعماق دماغ قد دفع الفضول العلمي وحثه إلى المضي إلى ابعد حد ممكن لمعرفة ورصد سلوك تلك الذرات بمساعدة تكنولوجيا متقدمة وأجهزة رصد متطورة جداً تفوقنا بآلاف السنين . وتمكن ذلك العالم الكوني الفضائي من خلال حاسوبه العملاق والمتطور ، وهو حاسوب كمومي أو كوانتي، من مشاهدة احتمالات الإلكترونات لــتاج la couronne إحدى ذرات الكريبتون المنتقاة ملاحظاً وجود كميات هائلة من الطاقة . وفي العادة، فإن كل إلكترون جدير بهذه التسمية ويحترم قوانين الميكانيك الكمومي أو الكوانتي، أن يتبع دالة موجة ذات احتمالات لا نهائية، أي أنه يدار بعامل الصدفة والعشوائية حيث لا يمكننا حساب موقعه وسرعته في آن واحد وبدقة متناهية، حسب مبدأ الريبة أو اللايقين وعدم الدقة d'incertitude principe لهيزنبيرغ d'Heisenberg. والحال أن العالم اكتشف مذهولاً أن الإلكترونات المعنية بالتجربة كانت موزعة وفق قانون بسيط ووفق دالة دورية متكررة une fonction périodique، بل وأكثر من ذلك ، وجد أن حركات الإلكترونات تتوافق وتتطابق مع الدفقات العصبية للكورتكس الدماغي les impulsions nerveuses émises par le cortex ، أو للقشرة الدماغية لتلك المرأة موضع التجربة وهي دفقات أو نبضات impulsions تتحكم بحركاتها الإرادية لذراعيها وساقيها وليس لردود أفعالها. ثم أظهرت قياسات دقيقة بأن الحركات أو التحركات الإلكترونية سبقت بحوالي جزء من مليون من الثانية ردود الفعل العصبية الفيزيولوجية النوروفزيولوجية neurophysiologiques للمريضة التي تجرى عليها التجربة، أي أن العالم رصد أوامر توجه لجهازها العضوي son organisme. ونتيجة لذلك رصد العالم أن شيء ما يرسل أوامر للجسم، ويبدو الجسم وكأنه موجه لا إرادياً téléguidé، ما يعني أن ذرات الكريبتون تلعب دور السطح البينيd'interface، الهوائي اللاقط والمرسل d'antenne، وعلى نحو جوهري ورئيسي وسماها الــ le péresprit، و يوجد مقابل باللغة العربية لهذا المصطلح العلمي ، أي إن هذه السلسة من ذرات الكريبتون كانت تعمل كقناة canal، أو وسيلة اتصال تربط بين الروح والدماغ وسميت بالعامل الثالث للإنسان والعاملين الأولين هما الجسم البشري والروح.
ثم توصل العلماء إلى أن بوسع الروح أن تكون خارج الجسد وفي كون آخر موازي هو كون الأرواح l'univers des âmes، وهو ثابت وجامد لا توجد فيه سرعة أو إن سرعة الضوء فيه صفر أو معدومة وبدون مادة كالتي نعرفها ولا طاقة كالتي نعرفها ويضم في ثناياه كل الأرواح الواعية والعقلانية والمعنية بالتعدد الكوني pluricosmos، أي أرواح البشر وأرواح الكائنات الفضائية des extraterrestres الذين يعيشون في مجرتنا درب التبانة وأرواح كائنات فضائية أخرى des extraterrestres، من مليارات المجرات الأخرى وكل الكائنات الواعية التي تنتمي إلى تعددية الأكوان المتنوعة ولم يعثروا بعد على قناة الاتصال الكمومية أو الكوانتية بين كون الأرواح وأرواح النوع الحيواني. و لا توجد اتصالات أو ارتباطات بين الأرواح المنعزلة بعضها عن البعض الآخر حيث لا يمكنها تبادل المعلومات بينها فلكل روح صلة أو ارتباط واحد مع كائن حي في الأكوان المتعددة. والتعريف العلمي للروح هو " المساهمة المعلوماتية الإجبارية والضرورية للتوازن الفعلي Contribution informative obligatoire à l'équilibre effectif ما يعني أننا إزاء دالة متسامية للإنسان في الكون المرئي. الأرواح التي في الأجساد لا تتقيد بالزمن الأرضي ولا بالزمن الكوني المرئي أو المنظور، فهي في جوهرها تقبع خارج الزمن المألوف، وهذا الأخير لا يعني لها شيئاً، بيد أن ارتباطها بالوعي البشري ، الذي هو خاضع للزمن وواقع في فخه، يخلق مفارقة صعبة الفهم والإدراك لدى البشر. فلو تصورنا مجازاً أن الحياة على الأرض عبارة عن نفق مظلم يسير في داخله شخص يحمل مصباح ليضيء طريقه، وهذا النفق بلاستيكي مرن وشفاف يتكيف مع متطلبات الظرف المحيط فكل الأشياء التي تقع أمام هذا الشخص في النفق، وهي تمثل المستقبل، تقبع في ظلام دامس وهي غير مرئية لكن هذا لا يعني أنها غير موجودة فقط لأن المصباح غير قادر على توفير الإنارة الكافية لرؤيتها، والأشياء التي خلف الشخص والتي تجاوزها وتعداها في سيره هي أيضاً في ظلام دامس لا يمكن رؤيتها لكنها موجودة وقد مر عليها الشخص ورآها بعينيه وهي تمثل أحداث الماضي،لكنها تقبع على نحو ما في ذاكرته ويستطيع تمثلها، والحاضر هو المصباح الذي ينير اللحظة الحاضرة وما حولها ويكشفها ويجعلها قابلة للرؤية والإدراك خطوة بعد خطوة، حيث أن الواقع الماضي والمستقبلي موجودان مسبقاً وسيبقيان لكن هذا لا يعني أن المستقبل مكتوب ومحدد سلفاً ولا مجال لحرية الاختيار،لأن جسيماتالروح التي تحتل الجسد المادي للشخص قد سبق لها أن حطت نفقها الخاص الموازي والمتداخل مع النفق المادي بعد أن اكتشفت وحددت كافة تضاريسه وقررت بحرية كاملة سلوك الطريق الذي تريده وهو طريق الحياة المرتبط بكينونة الجسد المادي للشخص في رحلته المؤقتة في الحياة الفيزيائية . تخيل نفسك تنظر إلى منزل ضخم أمامك ولكن من خلال ثقب صغير داخل علبة كارتونية مما يمنعك من أن ترى البيت كاملاً بنظرة واحدة. فالوعي والإدراك البشري للجسد المادي أي الدماغ البيولوجي لا يكتشف المنزل دفعة واحد إلا بعد أن يقوم بعملية مسح بانورامية ببطء على كامل الواجهة الضخمة للمنزل من خلال الثقب الكارتوني لأن حقل أو مجال الرؤية محدود جداً بالنسبة له في حين أن وعي الروح يمكنه أن يرى البنية الكاملة للمنزل دفعة واحدة لأنه ليس حبيس العلبة الكارتونية ولا وجود لثقبها أمام عينيه. ولمعرفة ماذا سيحصل لنا بعد الموت؟ الفرضية العلمية تقول أننها نلتحق بمكوناتنا الجمعية الأساسية التي جئنا منها سواء أكانت مادية أو روحية. لذا لا بد من إقتحام كون الوعي الجمعي والكون المطلق الشامل الذي يجسد عملية الخلق الدائم لمعرفة تفاصيل وآليات هذا الالتحاق للبدء بدورة حياتية جديدة. فلا يوجد إله خالق لهذا الكون المطلق، وما إله الأديان سوى تمثل مختزل لقدرة كلية قدمتها الأديان التوحيدية باعتبارها كينونة قالت أنها خالقة نرجسية تحب العبادة والخضوع لها وتتوعد بالعقاب والثواب والعذاب في جهنم والسعادة في الجنة لمن يطيع أو يتمرد ويكفر ويشرك. والحال أن الأكوان المتعددة اللامتناهية العدد على غرار كوننا المرئي ، اصغر أو أكبر منه أو بحجمه، ليست سوى جسيمات كونية ـــ إلهية ــ إذا اعتبرنا الكون المطلق هو الإله المطلق أو الله الكلي القدرة الذي لا بداية له ولا نهاية ولم يخلقه أحد ولا يوجد غيره في الوجود. " فلا شيء موجود في الوجود إلا ذات الوجود" كما تصفه المقولة الصوفية في وحدة الوجود، والمقصود هنا هو الكون المطلق الذاتي الوجود وكل شيء جزء منه ومن مكوناته فكما لايمكن للإنسان أن يعذب نفسه ويحرق خلاياه ومكوناته الأولية لا يمكن للإله المطلق أو الكون المطلق أن يعاقب جسيماته التكوينية من اللامتناهي في الصغر إلى اللامتناهي في الكبر.
وأهم مكون من مكونات الكون المطلق الحي اللامتناهي، وهي الجسيمات الكونية الإلهية، هو كون الوعي الكوني الجمعي الذي يحتوي على مليارات المليارات المليارات من الخلايا الكونية التي هي الوعي الجمعي بصيغة الجمع، أي هناك وعي جمعي متعدد الأشكال والصفات والماهيات، وهذا الوعي الجمعي موجود في كل كوكب يحتوي على حياة عاقلة في أي كون من الأكوان المتعددة اللانهائية العدد التي تشكل الــ pluricosmos، الكون المتعدد المطلق الحي الذي هو الوجود كله ولا شيء غيره أو خارجه موجود.
يتبع