كثيرا مايحزّ في نفوسنا الوضع الكارثي الذي تعيشه المرأة في عالمنا العربي ، هذا الكائن الجميل المليء احساسا ورقيّا في سلوكه وحنانا لايوصف ، وكأننا نُظهر القسوة والعنت والحقد لكل ماهو رائق ، فمنذ عصر الجاهلية الاولى حتى الوقت الحاضر في ألفيتنا الثالثة وفي زمن العولمة الذي نعيشه الان كانت خِلفة البنات وإنجابهنّ وستبقى مبعث قلق ويستمرّ هذا القلق حتى في الاوساط الراقية المتعلّمة من العوائل التي تتميز بالوعي ، فالمرأة في اول ولادتها مصدر خوف عليها حتى تنمو وترشد وتظل شاغلة لأذهاننا وتفكيرنا لما بعد اقترانها بزوجها ولايزول هذا الخوف حتى بعد زواجها سواء من قبل أهلها ووالديها لينتقل هذا الخوف الى قرينها وعيالها.
نخاف عليها لاننا نعتقد بوهمٍ راسخ في عقولنا انها هي السبب المباشر والأول في تلويث سمعتنا وثلم شرفنا اذا ماتعرضت لفعلٍ جنسيّ عرَضي رغما عنها وما أكثرالافعال والنزوات الجنسية في مجتمعاتنا المبتلية بالكبت بدءاً بالتحرّش الصلف وهتك الاعراض والغصب والكثير مما لايحمد عقباه.
نرفض رفضا قاطعا ان تسافر وحدها لأي غرضٍ كان ولو للعلاج الطبي الاّ بصحبة محرم ، نقلق عليها حينما تخرج لوحدها لانجاز حاجة معينة وكثيرا ما نلازمها في غدوّها ورواحها ، وفوق كل هذا وذاك من الرزايا التي تصيب المرأة فإننا لانوفيها حقها في الميراث ولاتصطفّ مع اخيها الرجل في المساواة حقوقا وواجبات وحظوظها في العمل خارج المنزل تصل الى الدرجة الادنى بينما في داخل المنزل نثقل كاهلها بالمسؤوليات الجسيمة وكم يشتدّ الخوف بحيث يصل الى الهلع والتنغيص في الحياة لو تطلّقت الفتاة او ترملت وهي بعدُ صغيرة.
وبعيدا عن أكوام الحيف الاخرى التي يطول ذكرها وما تصيب المرأة في مجتمعاتنا في كل مناحي الحياة وتضييق الخناق عليها ولاسيما في الأعراف المجتمعية وتقاليدها ، ففي اول خطوة تخطوها الفتاة خارج بيتها تصطدم بظاهرة معيبة ومقززة أولها التحرّش الذي كثيرا ما يصل الى الصلف والتهوّر في السلوك من قبل الذكور نحو الإناث ويكاد يكون هذا السلوك البذيء ملازما كلما خرجت لقضاء حاجة معيّنة.
يأتي الدين ليزيد البلاء بلاءً اخر وينشر حبائله ليزيد من قيودها ومن ثم القوانين والأحكام الشرعية المستمدة اغلبها من الفقه والإرث الديني والاجتماعي القديم ، هذا الخوف ناتج من اعتبار الجنس سواء كان مشروعا او خارج نطاق الشرع باعتباره عيبا ويمس شرف الانسان ؛ فمثل هذه القاعدة التي سنّها العرف والتقاليد حشرت الحرام والحلال في الجنس ببوتقة واحدة ، وكل هذه المخاوف ناتجة عن الرؤيا غير السليمة للجنس وكأن المرأة وحدها دون الرجل هي مبعث ومصدر تلك القلاقل والفضائح الناتجة عنه.
لست في حاجة الى التذكير بان الجنس حاجة انسانية مثل بقية الحاجات التي لابد من إشباعها والإذعان لها كحاجتنا الى الطعام والشراب والنوم ؛ بل انّ " سيغموند فرويد " يقدّمه على الحاجات الملحّة وللجنسين معا على السواء غير ان مجتمعاتنا ترى فيه لوثة وعيبا وجالبا للعار وكأنهم يغفلون عامدين بانه مصدر لثراء الموارد البشرية والوجود السكاني ولولاه لما نهضت الحضارات وبنيت مآثر الانسان وازداد العمران وتعزّز البناء الفوقي والتحتي لعموم البشر.
كان الاغريق والرومان يعلّمون اولادهم الطرق السليمة والراقية للممارسات الجنسية بأصولها الصحيحة قبيل عتبة بلوغهم سن الحلم ليكونوا أسوياء سعداء مع نصفهم الثاني وكانت تُعرض على الملأ وأمام الأنظار في عروض مسرح الاكروبولس مشاهد الممارسات الجنسية السليمة بأنواعها وتغصّ مدارج المسرح بالمشاهدين الذين عليهم ان يتعلموا أجمل أوضاع الجنس واكثرها صحة ومتعة لديمومة المحبة ، والغريب اننا لحد الان نرى اناسا تنتفض كالملسوع حالما يسمع شيئا عن الجنس ومظاهره ومكنوناته وأسرار متعته ويزداد غرابة اكثر حينما يسمعه من لسان المرأة فينتفض هلعا واندهاشا ويعتبر ذلك عاراً ؛ وكلنا يتذكر دروس الأحياء أيام كنا في الثانوية وماقبلها ندرس عن الجهاز التناسلي الانثوي والذكري مع وسائل الإيضاح والرسومات الخاصة بها وكيف كنّا نتصبب عرقا واستحياءً عندما يشرح المعلم وظيفة الأعضاء الجنسية ونكتم ضحكاتنا ونتهامس معا وكأن أمراً غريبا لم نألفه يجري بيننا.
لانبالغ لو قلنا ان المرأة اذا أرادت الزواج وأعلنت ذلك بنفسها أمام أهلها فمن المؤكد انه سيتم كيل الاهانات تلو الاهانات عليها وسوف تتّهم بقلة الأدب مع انها لا تطلب سوى الحلال الذي سنّهُ الله لبني البشر لبناء أسرة وإنجاب الأولاد والبنات الرائعات ، فلولا الجنس بين جسدين لما وُلد البنون وكانوا مصدرا لسعادة الأسَر.
ومن المؤسف جدا في وسطنا المحزن هذا ؛ ان نقول الحقائق مهما كانت مؤلمة منها على سبيل المثال ؛ لاتخلو المتزوجات بصورة شرعية ورسمية ان كثيرا منهن لم يصلن الى النشوة الجنسية مع انها حقّ لهن ومنهن مَن لاتجرؤ على الطلب من زوجها لمرافقتها الفراش بسبب حاجتها الجنسية وستضرب اخماسا في اسداس وتتردد كثيرا قبل ان تصرّح برغباتها في الممارسة الجنسية وتعتقد ان زوجها سوف يتهمها بالإباحية وعدم الاستحياء وربما يصفها انها منفلتة في أخلاقها لو ارادت ذلك بنفسها بينما الامر لايعدو سوى تلبية حاجة جسدية تماما كحاجتها الى النوم او وجبة طعام أو كأس شراب يطفئ عطشها.
وينظر معظم رجالنا للمرأة – باستثناءات قليلة جدا-- انها مجرد مصدر لإثارة الرجل وجسد لتفريغ شهوات الرجال ومنهم من يحسسها ويعلنها امامها بانها ليست اكثر من حرمة تحاط بمحظورات وتخوّفات بحيث ترتعد كلما ورد ذكر اسم الجنس ومتعلقاته مما يجعل هذا المخلوق الانثوي الجميل هيّابا ومرتعدا حين يُذكر لفظ الجنس على الألسنة.
كل هذه التابوات والخطوط الحمر والتحذيرات من أهواله ومخاطره المفتعلة جعلت من المرأة تنفر من هذه الممارسة حتى لو كانت حلالا شرعا ويدور في خلَدها العيب ووصمة العار ؛ ظانّة ان المتعة الجنسية مقتصرة حصريا للرجل وحده ، وماهي الاّ أداة طيعة لإشباع رغباته وشهواته كلما أراد ذلك ، فليس غريبا ان تبقى المرأة غير مشارِكة لما يقوم بها رفيق فراشها وتصاب بالبرود الجنسي تدريجيا وكأنها شيء جامد او شبه ميت وتنتظر من بعلها ان يقضي وطره منها لتقوم على عجالة وتنتهي من عبئها لتتنفس الصعداء خلاصا منه.
وليفهم من يتقصد غلق أذنيه ويدير وجهه عن بديهية يعرفها كل العالم بان الجنس حاجة انسانية سامية حالها حال اللهفة الى الطعام والشراب والنوم ؛ ونحن لسنا نتشوق الى دليل لنثبت ان الجنس من الحقوق المباحة للجنسين معا ونعمة حباها الله لنا لممارستها بشكل منضبط ومشروع فلا تقبّحوه للبشرية وكفانا مزايدات رثّة وتخرصات فجّة لوصمِ هذه الفطرة بالفاحشة ، تلك الحاجة الاساسية التي وهبها الخالق لنا للاستمتاع بها بشكل مهذب وعن رضا بين حبيبين تعلّق احدهما بالآخر في واحة الحب ومظلّته المؤنسة الظليلة.
لاتكيلوا الفواحش على المرأة ولا تنعتوها ببائعة الهوى فالذنب الاكبر هو ذنب المشتري الذي يسرف ماله عوجا وهدرا لتخريب وتلويث أجمل صلة بين اثنين تحابّا فانتم من يفسد علاقة الذكر بالأنثى وتزيدونها فاحشة وعهرا ودنسا وكم من مظاهر الجمال والحسن والبهاء انتهت الى مظاهر مقززة وأشكال نستحي ان نقولها لبذائتها المفرطة وشدة سفالتها فاختزلتموها في المرأة وهي براء منها.
هل كان لزاما على نسوتنا ان يلدن في وسطنا وفي جلودهن يرتسم وجه العيب والعار على شكل دمغة عبودية ، وكلّ مايفعله الذكور من معايب ومخازٍ تُجيّر باتجاه المرأة وكأنها وريثة الشيطان ولسان حالهِ والناطقة الرسمية باسمه فهذا يسميها عورة لأن كل جسمها -- باستثناء كفّيها وقرص وجهها -- محرّم النظر اليه وكذا الامر حينما تنطق ويظهر صوتها الذي يسمونه عورةً ايضاً ، واخر يأنف ان يصافحها ولو حققت الكثير من الانجازات لرقيّ مجتمعها وذاك يغضّ طرفه عنها خوفا من الإثم ويحسبها بقرة ويتفنن الفقهاء بنعتها انها نصف عقل ولاتعدل رجلا ولا تتساوى معه لا في الإرث ولا في المحاكم ولا في الشهادة امام القضاة.
الغريب ان كلّ هذه المنظمات والهيئات المدنية التي تدّعى مناصرة المرأة والوقوف الى جانبها عندنا لم تفعل شيئا ذا قيمة وبقيت المرأة على حالها المزري لا بل زادت سوءا لو قورنت بسنوات السبعينات التي عشناها وماقبلها ، وكل ذلك بسبب مايسمى الصحوة الاسلامية والتأسلم الطاغي بيننا مما عزل المرأة اكثر وزادها ظلمة وجهالة وانطواءً عن مجتمعها وأضعف من قدراتها في العمل والابتكار والخوض في غمار النشاطات المجتمعية والاقتصادية والسياسية وقد يأتي المقبل وستختفي نسوتنا تماما في معظم الميادين والانشطة وتنطوي في بيتها طمرا وقبرا ان لم نجرؤ من الان على نصرتها وفسح المجال لها ونحطم كل التابوات والشرائط الحمر الممنوع الاقتراب منها ونتيح لسيداتنا الكريمات بإظهار إثر خطاهنّ وإبراز بصماتهن وليدرك الجميع من أهلنا ان ايّ عمل وممارسة وانجاز يخلو من لمسات المرأة وأي أجواء بلا عطرها وطِيبها وشميمها يعدّ خانقا ضائقا للصدور وكاتما للأنفاس.