: آخر تحديث

ستيف... الميت الحي

1
1
1

بدءاً، حالة «ستيف» ليست استثنائية، بل تكاد تغدو ظاهرة ربما لن يمضي زمن طويل حتى تصبح جزءاً من حياة الناس اليومية. إنما، قبل توضيح من هو صاحب الاسم الوارد في عنوان المقالة، وكيف، وأين، جرى تقديمه لي، ارتأيت تخصيص مدخل النص للجانب الأهم من الشخص، أي الموضوع، وهو هنا ذو شقين. أولهما؛ التذكير بحقيقة أن تعبير «الميت الحي»، قديم كما قِدَم الحياة والموت، ولا يخص قوماً بذاتهم، بل هو قائم في مختلف ثقافات البشر. أما القصد منه فمعروف أيضاً، فهو يُستخدم للتعبير عن مدى عظمة أدوار المؤثرين في مجتمعاتهم، خلال حياتهم، واستمرار تأثيرهم في مستقبل مسار مجتمع كل منهم حتى بعد رحيلهم.

ومِن التعبير ذاته حصل اشتقاقٌ عَكَسَ تراتبية الكلمتين، فقيل إن فلاناً بمثابة «الحي الميت». عِلمياً، هذا توصيف جائزٌ، وهو نوع من التشخيص الطبي، إذ يُطلق على مريض توقف عمل الدماغ لديه، فلم يعد مُتلقياً لأي بَلاغ، ولا قادراً على الإبْلاغ عن شيء، لكن قلبه لم يزل يخفق. أما بعيداً عن الطب، فإن البعض ربما يبالغ في التأفف من كسل شخص ما تجاوز الحد المعقول في الاتكال على غيره لإنجاز كل متطلباته، فَيُرمى بالوصف ذاته. ومن رحم التعبير أيضاً وُلِدَ وصف للدلالة على تميز الأهمية، فيُقال في أحد الناس، خصوصاً في المناسبات المهمة جداً، إنه «الغائب الحاضر»... ذلك تكريم يؤكد مدى أهمية الشخص المقصود؛ إذ يُفتَقد حضوره بعدما أدت إلى غيابه ظروف لم يكن له يد، أو دور، في وقوعها، وما استطاع إيقافها.

الشق الثاني للموضوع يتعلق بالتطور الهائل الذي تحقق في مختلف فروع العلوم التطبيقية، بدءاً من النصف الثاني للقرن الماضي، وخلال الربع الأول من القرن الحالي. بالطبع، إنجازات السبعين عاماً الأخيرة ليست مقطوعة الصلة عمّا سبقها، بل هي امتداد لها. ويمكن القول إن النجاح المتمثل في انطلاق تسجيل الموسيقى على أسطوانات عام 1860، الذي أتاح أن يستمع الحيُّ إلى أصوات فنانين أموات، وفنانات غادرن الحياة، ويستمتع بها، هو الذي فتح الأبواب على مصارعيها كي يجري البناء، لاحقاً، على ذلك الإنجاز، صوتاً وصورة، وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي، وهو الذي بدوره أوصلني إلى ستيف ويغهام، وهنا تفاصيل القصة...

كنت أنتظر دوري في عيادة العيون بمستشفى «كينغستون» بعد ظهر الجمعة الماضي، عندما وقع نظري على مجلة بحجم كُتيب تحمل اسم: «راديو مستشفى كينغستون»، ثم لفتني عنوان غلافها: «فيما وراء أمواج الهواء»، يعلو رسمَ وجهٍ بدا كما لو أنه بريشة بيكاسو، لكن صورة ستيف ويغهام الفوتوغرافية أوضحت أنه المقصود. ستيف مُقدِّم برامج شاب غيبه الموت فجأة. أراد زملاؤه في إذاعة المستشفى الإبقاء على البرنامج الذي اعتاد تقديمه مع تجديد محتواه. لم يتحيروا كيف يمكنهم ذلك، فالغائب مستر «إيه آي (AI)» كان حاضراً، وسرعان ما أنتج حلقات جديدة لبرنامج ستيف ويغهام أدهشت زملاءه، خصوصاً لجهة مدى دقة اختيار الموسيقى التي كان ستيف نفسه سيختارها لو كان حياً. لكنْ، ألا يمكن القول، مجازاً، إنه «الميت الحي»؟ بلى.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد