: آخر تحديث

الفرص الضائعة..

11
8
8

ليست الخسارة في أن تفوتك فرصة، بل في أن تظنّ أن ما فاتك كان كل شيء؛ فكثيرون يقفون عند الباب الذي أُغلق، يطيلون النظر إلى الماضي حتى يعجزوا عن رؤية الأبواب التي فُتحت بعدها، غافلين عن حقيقة أننا نعيش في عالم يُعلّمنا أن النجاح يُقاس بما حصلنا عليه، لا بما تجاوزناه، وأن ما يفوتنا هو هزيمة، لا امتحان للنضج.

إن الحياة، في جوهرها، ليست سباقًا على اللحظة المثالية، بل رحلة من الانتباه لما تبقى؛ هناك من يضيع نصف عمره يندب خسارة، وهناك من يجعل من الخسارة طريقًا للتماسك، فالأول يعيش على ذاكرة ما لم يتحقق، والثاني يصنع من الفقد طاقة لما سيأتي.

أما الفرص الضائعة فإنها لا تُستعاد، لكنها تُفهم، ومن يفهمها، يربح أكثر مما خسر، فحين تفوّت وظيفة، أو حُبّا، أو لحظة قرار حاسمة، فكر، لا في “الفرصة” التي راحت، بل في “الإنسان” الذي أصبحت بعدها، إذ إننا لا ننضج بما نملكه، بل بما نفقده دون أن نفقد أنفسنا معه.

وكثيراً من الأحيان لا يكون ما خسرناه خسارة حقيقية، بل حماية خفية من طريق لم يُخلق لنا، كثير من “الفرص” التي ندمنا على ضياعها، لو كُشف لنا وجهها الآخر، لحمدنا الله على فواتها، ووحده الوقت، هو العدسة التي تُظهر الحكمة من التأخير. غاية القول؛ إن تعويض ما فات لا يعني استرجاعه، بل تجاوزه بوعي أكبر، فالتعويض الحقيقي أن نحيا بما تعلمناه من السقوط، لا أن نعيد مشهد الوقوع، بأن نصبح أكثر صدقًا مع أنفسنا، أقل خوفًا من الفقد، وأعمق إيمانًا بأن القدر ليس خصمًا، بل معلّما صامتًا. ولعلّ أجمل ما في الفرص الضائعة، أنها تردّنا إلى داخلنا، هناك، حيث نكتشف أن ما ظننّاه نقصًا كان مساحة للنضج، وأن ما اعتقدناه تأخيرًا كان تهيئة لمسار أنضج وأصدق؛ فالحياة لا تمنحنا كل شيء دفعة واحدة، بل تختبرنا بالانتظار، لتعلّمنا أن أجمل المكاسب تبدأ حين نكفّ عن مطاردة الماضي، ونلتفت لما بين أيدينا من حياة. وفي النهاية، ليست الحياة قائمة على عدد الفرص التي نغتنمها، بل على عدد المرات التي ننهض بعدها، فالذين تعلموا كيف يرمّمون ما تهدّم فيهم، هم وحدهم من يصنعون مستقبلاً لا يخاف الفوات.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد