في زمن تتسارع فيه الأحداث كأنها سباق لا ينتهي، يبرز القائد الحقيقي بقدرته على تحويل الزمن من عدو يطارده إلى حليف يعمل لصالحه، الفرق بين من يدير وقته ومن يقوده هو ذات الفرق بين من يعيش اليوم ومن يصنع الغد، القادة العظماء لا يملكون ساعات أطول، لكنهم يملكون فلسفة زمنية تجعل كل دقيقة أداة للإنجاز لا مؤشراً على الإرهاق.
في تقرير نشرته (McKinsey) عن الإنتاجية القيادية، تشير النتائج إلى أن القادة الذين يخصصون وقتاً للتفكير العميق والتخطيط الأسبوعي يزيد وضوح رؤيتهم وفعالية قراراتهم بنسبة تصل إلى 25 % مقارنة بغيرهم، وهذا ما يجعل "القيادة الزمنية" فلسفة أكثر منها مهارة، حيث تُبنى القرارات على ترتيب الأولويات لا على الاستجابة للضغوط.
الرئيس التنفيذي الأسطوري لشركة جنرال إلكتريك جاك ولش يؤمن أن القيادة تبدأ من القرار الذي يحرر وقت الجميع. كان يبدأ يومه بتحديد الأولويات قبل التاسعة صباحاً ويقلّص الاجتماعات إلى النصف، لأن كل دقيقة تذهب في النقاش غير المنتج هي دقيقة تُسرق من التنفيذ. وعلى الجانب الآخر في وادي السيليكون، جسّد ستيف جوبز نموذج القائد الذي يتعامل مع الوقت كفن للتبسيط. كان يركّز على مشروع واحد أساسي كل صباح، ويلغي الاجتماعات غير الضرورية، مفضلاً التواصل المباشر المختصر مع فريقه.
أما تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة أبل، فيُعرف ببدئه يومه قبل الفجر، إذ يعتبر الصباح مساحةً للتفكير الهادئ قبل أن تبدأ ضوضاء العالم. بينما تؤمن إندرا نويي، الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة بيبسيكو، أن الطاقة تسبق الوقت، فتنظّم جدولها وفق ذروة نشاطها العقلي، معتبرة أن الوقت بلا طاقة هو زمن ضائع مهما كان منظما.
ما يجمع هؤلاء القادة على اختلاف مجالاتهم أنهم ينظرون إلى الوقت كشريك قيادي لا كعدوٍ مستمر، فالقيادة الزمنية لا تقوم على المزيد من الساعات، بل على تحويل كل دقيقة إلى قرار واعٍ. الوقت في جوهره ليس مورداً يُستهلك، بل منظومة قيادة تُصمَّم بعقل وقلب، من يتقن إدارة انتباهه، يتقن إدارة وقته، ومن يملك وعيه يملك قيادته، فالوقت لا ينتظر أحداً، لكنه ينحاز لمن يعرف إلى أين يتجه.