: آخر تحديث

«عقلاطفية»

2
2
2

سهوب بغدادي

هل أنت إنسان عقلاني أم عاطفي؟ قد تتبادر الإجابة إلى ذهنك بسرعة خاطفة بناءً على قرارات وتجارب سابقة مررت بها أو ببساطة مما يقوله محيطك من الأهل والأصدقاء عنك، فهل هذا الحكم صحيح بشكل مطلق؟ أم أنت النقيض، أو كلاهما احتمالًا؟ بالنسبة لدكتورة علم النفس ليزا فيلدمان، أنّ هناك أفكارًا مغلوطة حول المشاعر، بدايةً كون الإنسان مزودًا بالمشاعر منذ الولادة وحول جميع الثقافات والمجتمعات، بل قد يتشاركها مع بعض المخلوقات كالحيوانات-أعزكم الله- أما الأمر الآخر فيكمن في ظهور المشاعر، فعندما تستطيع التحكم بمشاعرك فذلك الخيار الصحيح وأنت بذلك شخص عقلاني، أما في حال غلبتك العاطفة ولم تتمكن تمالك زمام الأمور، فأنت بذلك إما أن تكون غير عقلاني أو مريض «معتل» نفسيًا، نعم، في بعض الأحيان يعاني الشخص من اعتلالات نفسية تستلزم التدخل الطبي والسلوكي في حال تأثيرها على سير حياة الفرد ومن حوله، إلا أننا نتحدث عن المشاعر الإنسانية الطبيعية التي نشعر بها، كالفرح، والخوف، والحماس، والهدوء،... إلخ.

في بادئ الأمر، يولد الطفل وهو كالصفحة البيضاء ويعرف فقط أحاسيس معينة فطرية تعينه على تنبيه محيطه باحتياجاته كالجوع والتعب والنعاس، ومع مرور الأيام، يقوم محيطه بصب مشاعرهم المتأصلة مسبقًا فيه، على سبيل المثال لا الحصر، تنبيه الوالدين المتكرر من السقوط خوفًا من الأماكن المرتفعة، أو الابتعاد عن الحيوانات لكيلا تعضه، أو عدم الاقتراب من النار، وقس على ذلك من مشاعر سلبية وإيجابية على حد سواء، فالطفل في تلك المرحلة لا يملك القرار لاختيار البرمجيات التي قد ترافقه مدى حياته وتسبب له اعتلالات نفسية وصعوبات في بعض الأحيان، إلا أنّ الجميل في الموضوع، أنّ الشخص عند بلوغه يستطيع أن يتغير ويغير سير مشاعره، بدايةً عن طريق معرفة ماهية الشعور وعدم قياسه على تجارب سابقة، لذا ينصح بمفاجأة العقل الذي يحاول جاهدًا بث المشاعر من هنا وهناك بالقياس على تجارب سابقة وحكايا أشخاص بهدف حمايتك، والطريق نحو إعادة برمجة المشاعر تكون عبر خوض غمار جديدة، كالغوص، أو التمثيل في مسرحية، أو الرسم، ببساطة إنّ أي مهارة أو تجربة لم تعهدها من قبل قد تفتح لك مجالات عقلية جديدة ويبنى عليها سلسلة حديثة من برمجيات المشاعر، كلنا نخاف من الفشل، ونضح سيناريوهات محتملة لذلك، إلا أنّ الأسوأ أننا نضع الأسوأ كأول الاحتمالات، فليس بالأمر العادل أن تعيش على حافة الخوف رهينةً لمشاعرك، فما أسوأ شيء يمكن أن يحدث إذا ما قمت بفعل ما أرغب؟ اسأل نفسك واحسب الإيجابيات والسلبيات وقيم التجربة ككل وتبعاتها التي ستنعكس عليك، قد تظل بعض البرمجيات الشعورية حبيسة في نفوسنا كالقلق والحساسية المفرطة تجاه الأقوال والأفعال، إلا أنّ ممارسة المشاعر والتمرس عليها أفضل طريق لتوجيهها بما يتسق مع خياراتك وقراراتك وأسلوب حياتك ومن معك.

«المشاعر التي تغيرت بسبب الإدراك لا تعود، المُدرك ليس كالغاضب، المُدرك لا يعود، لا يعود أبدًا» -دوستويفسكي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد