تؤكد المملكة العربية السعودية مرة أخرى التزامها الراسخ تجاه حفظ لغة القرآن الكريم وإعلائها وتطويرها؛ لتواكب متغيرات العصر وتقنياته، ويأتي المؤتمر السنوي الرابع لمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية في الرياض معززا لتلك الرسالة تحت عنوان: "الصناعة المعجمية في العالم: التجارب، والجهود، والآفاق"، ليعبر عن رؤية استراتيجية عميقة للمملكة، تضع اللغة العربية في صميم التطور التقني العالمي، وتعكس الدور المتنامي لـمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية كمؤسسة رائدة ووجهة عالمية لتطوير الدراسات اللغوية والتقنيات المرتبطة بها.
تأتي الصناعة المعجمية في قلب هذا المؤتمر باعتبارها إحدى الركائز الرئيسة التي لا غنى عنها، فالمعجم ليس مجرد كتاب يحفظ الكلمات، بل هو الخزان الذي يوثق ويصون التراث اللغوي العربي الثري، وهو في الوقت ذاته القاطرة التي تدفع نحو المستقبل، حيث يعد العمل على تطوير المعاجم، وتحديث منهجياتها لتواكب العصر، هو جوهر حفظ الهوية اللغوية في ظل التحولات العالمية المتسارعة.
إن عصر المحتوى الرقمي والذكاء الاصطناعي اللغوي، لم يعد المعجم التقليدي كافيًا، بل تحتاج النماذج اللغوية الكبيرة وبرامج الترجمة الآلية ومحركات البحث إلى قواعد بيانات معجمية متطورة ودقيقة ومحكمة يمكنها فهم اللغة العربية والتعامل معها بفاعلية، ويأتي المؤتمر السنوي الرابع لمجمع الملك سلمان العالمي ليعالج هذه الفجوة عبر استقطاب نخبة من الخبراء والباحثين للمشاركة في جلسات علمية متخصصة تركز على التكامل في هذا المجال الحيوي، حيث تتطلب الصناعة المعجمية المتكاملة جهداً عابراً للحدود، يستفيد من المناهج العالمية ويطبقها ضمن السياق العربي.
مع انطلاق فعاليات المؤتمر، تتجسد أهمية النقاشات العلمية الثرية التي ستتناول مستقبل اللغة العربية في ظل الثورة التقنية، فالحضور الكبير من الهيئات السعودية والجهات البحثية هو دليل ساطع على دعم الدولة الممنهج للغة العربية في شتى الميادين، وهو دعم ضروري يضمن للغة مكانتها كأداة للمعرفة والإنتاج التقني وليس مجرد وعاء للتاريخ.
إن الرهان الحقيقي في الواقع لهذا المؤتمر يكمن في فتح آفاق جديدة للتعاون الدولي في تطوير الصناعة المعجمية والابتكار اللغوي الرقمي، حيث يجب أن ننتقل من مرحلة الحفظ إلى مرحلة التوليد والابتكار، من خلال صناعة معجمية حديثة تُعنى بإيجاد أدوات لغوية تقنية مبتكرة، وقواعد بيانات مفتوحة، وبنية تحتية لغوية قوية تخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتسهم في إثراء المحتوى العربي على الإنترنت.
هذا المؤتمر بتوقيته وعنوانه ومحتواه هو دعوة للعمل، ورسالة واضحة أن المملكة عبر مجمع الملك سلمان تضع اللغة العربية على خريطة المستقبل الرقمي، بما يضمن استمرارها كلغة حية ومواكبة لكل جديد.