: آخر تحديث

الدول العربية ومؤشر قيمة العلامات التجارية الدولية

4
4
3

تلعب العلامات التجارية دوراً أساسياً في تحديد قيمة ما يسمى «الأصول غير الملموسة»، مثل اسم العلامة، والسمعة، وثقة العملاء، والابتكار. فهي التي تمنح الشركات هويتها، وتُحدد مكانتها في السوق. وكلما زادت القدرة على الإبداع في الأفكار والتقنيات والمنتجات، ارتفعت قيمة هذه الأصول، وهو ما نراه جلياً في الاقتصادات المعتمدة على الاختراع محركاً للنمو («القيمة العالمية للعلامات التجارية تتجاوز 14 تريليون دولار في 2024» - المنظمة العالمية للملكية الفكرية، 22 أغسطس «آب» 2025).

منذ 2020، أطلقت المنظمة العالمية للملكية الفكرية بشراكة مع «براند فاينانس» مؤشراً جديداً خاصاً بقيمة العلامة التجارية، يقدّم ترتيباً دولياً لأكبر 5000 علامة من حيث القيمة.

كيف يتم احتساب قيمة العلامة التجارية؟ لتقريب الصورة، يمكن النظر في مثال «نايكي». إذا فقدت «نايكي» حق استخدام اسمها وشعارها الشهير (السووش)، فستكون مضطرة إلى استئجارهما بمبالغ ضخمة، لأن القيمة الكبرى تكمن في الاسم وليس في الحذاء ذاته. لذلك يعتمد الخبراء طريقة «الإتاوة المعفاة»، أي تقدير النسبة التي تُمثلها العلامة من المداخيل (10-15 في المائة مثلاً) وتحويلها إلى قيمة حالية وفق الأرباح المستقبلية.

ما الشركات التي تُحْتَسَب علاماتها؟ تقوم «براند فاينانس» بدراسة آلاف الشركات وتصنيفها وفق قيمة علاماتها، ثم تُدْخَل أعلى 5000 علامة إلى قاعدة بيانات تعتمدها المنظمة العالمية للملكية الفكرية. في 2025 بلغت القيمة الإجمالية لهذه العلامات 14 تريليون دولار، أي بزيادة 6 في المائة على 2024، ما يبرز الدور المتنامي للأصول غير الملموسة في الاقتصاد العالمي.

مَن يتبوأ الترتيب العالمي؟ تتصدر القائمة الولايات المتحدة بحصة 45 في المائة (أكثر من 6 تريليونات دولار)، متبوعة بالصين (13 في المائة) ثم اليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. وعلى مستوى نسبة القيمة في علاقتها مع الناتج المحلي، تتقدم الولايات المتحدة أيضاً بـ21 في المائة، تليها السويد (19 في المائة) وسويسرا (18.8 في المائة) وفرنسا (18.1 في المائة) واليابان (17.8 في المائة).

على المستوى العربي، تقود المملكة العربية السعودية الترتيب، محتلة المرتبة 16 عالمياً، بفضل علامات قوية في الطاقة «أرامكو»، والبنوك، والطيران والاتصالات. تليها الإمارات العربية المتحدة في المرتبة 18، بعلامات مثل «طيران الإمارات»، والاتحاد، وموانئ دبي، و«اتصالات» إلى جانب علامة «دبي».

أما قطر فحلّت في المرتبة 37 مدفوعة بعلامات الطاقة والرياضة والقطاع المالي. وجاءت الكويت في المرتبة 39 بفضل علامات الطاقة والبنوك والاتصالات. وفي شمال أفريقيا، احتل المغرب المرتبة 51 بفضل «اتصالات المغرب»، و«التجاري وفا بنك»، و«المكتب الشريف للفوسفاط»، وميناء طنجة المتوسط، و«الخطوط الملكية المغربية»، وعلامات السياحة التي تُسهم «مراكش» وعلامة «موروكو» في الرفع من جاذبيتها العالمية.

مصر كانت من بين أبرز الصاعدين؛ حيث ارتفعت قيمة علاماتها بنحو 20 في المائة بين 2020 و2025. ويعود ذلك إلى قاعدة متنوعة تشمل البنوك (الأهلي، مصر، سي آي بي)، وشركات الهندسة (السويدي إلكتريك)، وعلامات استهلاكية مثل «نخلة»، إضافة إلى توسع قطاع الاتصالات.

دول أخرى مثل عُمان والأردن والبحرين والعراق ولبنان حققت مراتب أقل، في حين لم تتمكن الجزائر وتونس من دخول قائمة 5000 علامة. ورغم حجم «سوناطراك» الجزائرية بوصفها أكبر شركة طاقة أفريقية، فإنها لم تُدْرَجْ بسبب تركيزها على التصدير من دون استراتيجية تسويق عالمية، إلى جانب ضعف الشفافية مقارنة بمنافسين مثل «أرامكو» و«أدنوك».

ماذا يعني هذا؟ يعني أن السعودية والإمارات تقودان المشهد العربي في بناء العلامات التجارية، وعليهما أن تستمرا في ذلك، وأن تلعبا دور الريادة. في حين يتعين على دول مثل قطر، والكويت، والمغرب، ومصر، تنويع علاماتها وتوسيع حضورها الدولي. أما الجزائر ودول أخرى تملك الإمكانات، فيجب أن تضع برامج واضحة لبناء علامات قوية وكسب الثقة الدولية.

على الدول العربية عموماً تعزيز ثقافة الابتكار، والاستثمار في التسويق والهوية، وتحسين الشفافية والمعايير الدولية. ويتطلب ذلك دعماً حكومياً موجهاً، وشراكات عابرة للحدود، والتركيز على قطاعات واعدة مثل التكنولوجيا المالية، والطاقات المتجددة، والصناعات الثقافية والإبداعية، والسياحة الذكية.

إن تطوير العلامة التجارية العربية لم يعد ترفاً أو مجرد أداة دعائية، بل أصبح رهاناً استراتيجياً يعزز القدرة التنافسية، ويفتح أسواقاً جديدة، ويحوّل المقاولات المحلية إلى لاعبين عالميين.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد