: آخر تحديث

ليبيا: اتفاق خطوة مقابل خطوة

1
1
2

إذا صدقتْ الأخبار القادمة من العاصمة الليبية طرابلس، وآمل في أن تكون صادقة، فإن فتيل الحرب التي كانت وشيكة الوقوع بين قوات حكومة طرابلس وجهاز «الردع» انطفأ، وأُذنَ للغيوم الكثيفة بالرحيل عن سماء المدينة، وعودة الصحو إليها. الأخبار حول الاتفاق قليلة. وتأتي على شكل قطرات ماء متسربة من فتحة صنبور، الأمر الذي يشير إلى حذر غريب ومريب من الطرفين، والأسوأ انعدام الثقة.

من حق مليونَي نسمة من سكان طرابلس تنفس الصعداء بعد أسابيع طويلة من آلام ترقب حرب وشيكة. لا يعرف هذا الإحساس بالراحة في النفس الإنسانية إلا مَن عاش التجربة واحترق بنارها. وسكان العاصمة الليبية رغم كل ما مرّ بهم من معارك وحروب، فإن الحرب التي كانت وشيكة الوقوع أرعبتهم، لعلمهم أن انفجارها لو حدث، لا سمح الله، سيقود إلى مجزرة وإلى دمار غير مسبوقَين. لكن لطف الله تدخل في اللحظات الأخيرة وأنقذهم.

الأخبار المنقولة في وسائل الإعلام، على ضآلتها، تتحدث عن وساطة تركية، قادها نائب رئيس جهاز المخابرات بالتنسيق مع البعثة الأممية، بطلب من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، أفضت إلى اتفاق يقضي بتسليم جهاز «الردع» مطار معيتيقة الدولي إلى قوة حماية المطارات، مع 3 مطارات أخرى في طرابلس وزوارة ومصراتة. القوة الجديدة وُصفت بأنّها محايدة تتبع المجلس الرئاسي ورئاسة الأركان. كما تم الاتفاق على تسليم المساجين إلى مكتب النائب العام، والسجون إلى وزارة العدل. ويقضي الاتفاق كذلك بخروج القوات العسكرية القادمة من مدن مصراتة وغريان وزليتن من العاصمة وعودتها إلى معسكراتها. بالإضافة إلى موافقة جهاز «الردع» على تسليم الأشخاص المطلوبين للعدالة إلى مكتب النائب العام. وتعيين شخصية محايدة يُتَّفق عليها لتولي منصب رئيس جهاز الشرطة القضائية.

السرّية تحيط ببنود الاتفاق. والطرفان المعنيان لا يتعرضان للاتفاق بالتعليق إلا بما يخدم أهدافهما سياسياً. وهذا يفضي إلى استنتاج مفاده أن الاتفاق، رغم الضمانات التركية ومن البعثة الأممية، لا يزال هشّاً. وأن أمر تنفيذه التدريجي، خطوة مقابل خطوة، يؤكد على ذلك. بمعنى أن أي تحرّك من قبل طرف يقابله تحرّك من الطرف الآخر، كما في لعبة الشطرنج.

مستشار رئيس المجلس الرئاسي وسفير ليبيا لدى هولندا، زياد دغيم، كشف في تصريح نشرته «بوابة الوسط» الليبية أن «الاتفاق ليس بين الحكومة وجهاز الردع، كما يردد البعض، بل هو اتفاق بين مؤسسات أمنية وعسكرية تابعة للحكومة، وأخرى تابعة للمجلس الرئاسي». وأوضح أن «الاتفاق تضمَّن مبادئ عامة يجب أن تُطبَّق في كل مناطق نفوذ الحكومة والمجلس الرئاسي، وليس فقط في منطقة جغرافية محددة»، مشيراً إلى أنّه «راعى بعض العقبات المحتملة، ووضع حلولاً بديلة».

يبدو من التصريح أعلاه أن المجلس الرئاسي اضطلع بدور تفاوضي بدلاً عن الجهاز، نظراً لأن الجهاز يتبعه إدارياً. والمعلومات تؤكد أن رئيسه محمد المنفي هو مَن طلب تدخل تركيا بالوساطة.

المجلس الأعلى للدولة، أصدر يوم الأحد الماضي بياناً قصيراً، قال فيه إن «استعادة الأجهزة المختصة مواقعها في إدارة المطار والسجن تحت إشراف السلطة التنفيذية الشرعية خطوة مهمة نحو تعزيز سيادة الدولة على مؤسساتها الحيوية، وإرساء مبدأ أن القانون هو المرجع الوحيد الواجب الاحتكام إليه»، آخذين في الاعتبار ولاء رئيس المجلس محمد تكالة لرئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، فإن البيان أعلاه يعامل وكأنه صادر عن رئيس الحكومة.

وسائل الإعلام الليبية، ومواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، لم تشر ما إذا كان جهاز «الردع» سيخلي مقرّاته في مطار معيتيقة، ويغادر بقواته وأسلحته المطار. لكن صدرت تأكيدات بأن الجهاز سلّم مكتبه الأمني في المطار. وهي خطوة إيجابية.

السرّية المتعمدة وراء عدم نشر بنود الاتفاق من الممكن غض النظر عنها ما دام فتيل الحرب المدمرة انطفأ، ونجت المدينة وسكانها من الموت والدمار.

الطريق إلى عودة طرابلس إلى وضعها الطبيعي، والتخلّص من فوضى انتشار الجماعات المسلحة، والسجون خارج نطاق الدولة، خطوة في الاتجاه الصحيح لعودة العاصمة إلى وضعها الطبيعي. وقد يشجع الاتفاق مستقبلاً على تبنّي الأطراف المتنافسة لغة الحوار بدلاً من لغة الرصاص والقذائف، ويدعم عودة قوات الشرطة لاستعادة مهامها ودورها في التحكم والسيطرة على المنافذ والمداخل البرية والبحرية والجوية، وبسط الأمن في مختلف أحياء العاصمة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد