: آخر تحديث

فجوة سوق الأسهم والاقتصاد

7
9
8

أظهر التقرير الإحصائي الصادر عن شركة "تداول السعودية" أن مؤشر السوق الرئيسية "تاسي" أنهى تعاملات النصف الأول من عام 2025 عند مستوى 11,163.96 نقطة، مسجلاً تراجعًا بنحو 515.54 نقطة، ما يعادل انخفاضًا بنسبة 4.41 % مقارنة بإغلاق النصف الأول من عام 2024، وبحسب ما أورده موقع "معلومات مباشر"، تكبّد السوق خلال شهر أغسطس الماضي خسائر سوقية بلغت نحو 179 مليار ريال.

عزا عدد من المحللين الماليين التراجعات التي شهدها السوق خلال شهر أغسطس الماضي إلى جملة من العوامل الخارجية، أبرزها التوترات الجيوسياسية المتصاعدة والحرب التجارية العالمية، التي ساهمت في تعزيز حالة عدم اليقين لدى المستثمرين المحليين والدوليين بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي.

رغم منطقية بعض من هذه المبررات، فإنني أجد نفسي مختلفًا معها إلى حدٍّ ما؛ لقوة ومتانة الاقتصاد السعودي التي ُتسهم إلى حد كبير في تقليل حدّة هذه التأثيرات السلبية، وهو ما أكدته نتائج مشاورات المادة الرابعة لعام 2025 الصادرة عن صندوق النقد الدولي، والتي أظهرت أن الاقتصاد السعودي أثبت قدرة لافتة على الصمود في مواجهة الصدمات الخارجية.

وفي ذات السياق، كشفت الهيئة العامة للإحصاء عبر نشرة الناتج المحلي الإجمالي والحسابات القومية للربع الثاني من عام 2025، أن الاقتصاد السعودي سجّل نموًا حقيقيًا بنسبة 3.9 % مقارنةً بالربع نفسه من عام 2024، مدفوعًا بأداء قوي في القطاع غير النفطي.

مما سبق، وتحديدًا من حيث مؤشرات الأداء الاقتصادي للمملكة، يتبيّن أن سوق الأسهم السعودي لا يُعبّر بشكل دقيق عن قوة ومتانة الاقتصاد الوطني، بل يتأثر بدرجة أكبر بالمتغيرات الخارجية، والتي قد لا يرتبط العديد منها بشكل مباشر بأداء الاقتصاد السعودي الفعلي.

في ظل هذه المعطيات، بات من الضروري تعزيز ثقة المستثمرين في سوق الأسهم السعودي، باتخاذ إجراءات فعالة ومحفزة تهدف إلى رفع مستوى وعي المستثمرين، لا سيما غير المتخصصين منهم لكي يعكس بشكلٍ حقيقي واقع قوة الاقتصاد الوطني.

من بين أبرز هذه الإجراءات، تبرز أهمية إلزام الشركات المدرجة بتطوير آليات الإفصاح المالي، عبر إنشاء منصة إلكترونية تفاعلية تُقدم البيانات والمؤشرات المالية بشكل مبسط وسهل الفهم، يتيح للمستثمرين -وخاصة غير المتخصصين- استيعاب الأداء المالي للشركات دون الحاجة إلى خلفية فنية أو مالية بما في ذلك استثمارية متقدمة.

إلى جانب ذلك، يُمكن تعزيز وعي المستثمرين، خصوصًا الجدد منهم، بأدوات التحليل المالي المبسط من خلال تطوير برامج تعليمية رقمية تفاعلية، أو عبر إطلاق منصة محاكاة افتراضية (Simulation Platform) تتيح لهم تجربة التداول ضمن بيئة تجريبية وكأنها تحاكي السوق الحقيقي، دون المخاطرة بأموالهم الفعلية، بحيث تعزز من قدرتهم على فهم المؤشرات واتخاذ قرارات استثمارية أكثر وعيًا ورشدًا.

ويُعد إشراك ممثلين عن المستثمرين الأفراد في مناقشات دورية مع هيئة السوق المالية، وشركة "تداول"، إلى جانب كبار الشركات المدرجة، خطوة جوهرية نحو تطوير بيئة السوق المالية بشكل أكثر شمولًا وتوازنًا.

إن استحداث منصة إنذار مبكر حكومية أو تنظيمية تُرسل تنبيهات فورية بشأن المخاطر المحتملة بتقلبات السوق غير المبررة، قد تسهم في تعزيز الشفافية لدى المستثمرين، إذ تتيح لهم فهمًا أفضل لمجريات السوق، وتمكنهم من اتخاذ قرارات أكثر وعيًا، مما سيعزز من الاستقرار العام للسوق ويحد من السلوكيات واتخاذ القرارات العشوائية أو المندفعة التي قد تؤثر سلبًا على الأداء العام للسوق.

إن تقليص الفترة الزمنية المخصصة للإعلان عن النتائج المالية للشركات، إلى جانب تعزيز حوكمة عمليات الطرح العام وعلاوة الإصدار، بما في ذلك فرض قيود زمنية على بيع الأسهم المكتتب بها قبل انقضاء فترة محددة، تُعد من الإجراءات المهمة التي من شأنها الحد من المضاربات العشوائية، وتقليل ظاهرة الدخول والخروج السريع من السوق بهدف تحقيق أرباح آنية فقط.

كما أن إنشاء مؤشر خاص للطروحات العامة يُعد خطوة تنظيمية ذات أهمية كبيرة، إذ يتيح تتبع أداء الشركات المدرجة حديثًا بشكل مستقل وشفاف، مما يُمكّن المستثمرين من تقييم هذه الطروحات استنادًا إلى بيانات موضوعية، بعيدًا عن تقلبات السوق الرئيسية، وبالتالي اتخاذ قرارات استثمارية أكثر دقة ووعيًا. وفي السياق نفسه، إن عدم السماح بانتقال الشركات المطروحة حديثًا إلى السوق الرئيسية إلا بعد إثبات جدواها الاقتصادية والمالية، من خلال تحقيق معايير واضحة ومحددة، سيُسهم في حماية السوق من المخاطر المرتبطة بالطروحات غير الناضجة والمبالغ فيها.

إن استبعاد الشركات التي تجاوزت خسائرها المتراكمة 50 % من رأس مالها من المؤشر الرئيسي للسوق يُعتبر إجراءً مهمًا لتعزيز جودة المؤشر ودقته، ليعكس فعليًا أداء الشركات الرائدة والقوية ماليًا.

إن رفع نسبة الطرح العام للشركات سيسهم في توسيع قاعدة المستثمرين، وسيُعزز من سيولة السوق وتنويع حاملي الأسهم، وهو ما يدعم استقراره على المدى الطويل.

ويُعد طرح الشركات المملوكة أو التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، لاسيما تلك المرتبطة بمشاريع رؤية السعودية 2030 أو المدرجة ضمن برامج التخصيص، خطوة استراتيجية تعزز عمق السوق المالية، وتدفع عجلة التنمية الاقتصادية في المملكة. كما يوفر هذا الطرح فرصًا استثمارية نوعية في قطاعات ومشاريع واعدة، تسهم في تحقيق مستهدفات الرؤية من خلال رفع كفاءة الإنفاق، وتمكين القطاع الخاص، وتعزيز دور المجتمع في التنمية الاقتصادية.

إن هذه الإجراءات وتلك التدابير مجتمعة لربما ستُعزز من استدامة السوق، وتُقلل من حدة التقلبات السعرية الناتجة عن المضاربات قصيرة الأجل أو ضعف ثقة المستثمرين في بعض الطروحات.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد