: آخر تحديث

نحن بؤساء

3
3
3

مواقف قد تكون مضحكة أو غريبة عشناها في طفولتنا واعتقدنا أننا وحدنا الذين فكرنا فيها... عندما كبرنا اكتشفنا أننا جميعاً عشنا السيناريوهات نفسها، وجميعنا فكرنا في ردة الفعل نفسها...

لا أكذب عندما أقول إنني أشعر بالراحة وخاصة عندما تتعلق طفولتنا بمواقف محرجة أو تفكير طفولي ساذج. كنا نقوم بالتمثيل في مسلسلات درامية في حوش البيت ونقوم بتوزيع الأدوار. جميعنا ممثلون ومخرجون ومنتجو المسلسل أيضاً.

 

كانت هنالك لحظات صعبة لم نستطع حينها أن نتقن التمثيل، كانت لحظات البكاء، كما واجهنا صعوبة في اتقان دور الحزن وذرف الدموع، لذلك كنا نضع قطرات من الماء على وجنتنا باستخدام قطرة الأنف التي كنا نأخذها من أقرب مستوصف حكومي، وبالحديث عن هذه القطرة كنا أيضاً نضع فيها الحليب لإطعام القطط الصغار، كانت قطرة ثمينة ومتعددة الاستخدام.

نعود لذلك المشهد الحزين عندما كنا نمثل، كنا نطرح تساؤلات كثيرة منها: كيف يستطيع الممثلون أن يتقنوا الحزن أثناء التمثيل لدرجة أننا كمشاهدين نصدق؟ وهل الدموع حقيقية؟ أم استخدموا القطرة نفسها؟

كيف يستطيع الكبار إتقان التمثيل في حين أننا كأطفال لا نستطيع؟ هل الأمر له علاقة بالخبرة والتعليم؟ فكثير من الممثلين الصغار أتقنوا المشاهد بعد تدريبهم، ولكننا كأطفال عاديين نلعب في الحوش أو في البراحة إذا كنا نريد اصطياد وجمع الجراد لا نستطيع افتعال الحزن والبكاء، هل نحن قُساة قلب لا نملك مشاعر تجاه المواقف والأزمات أم أن الأمر متعلق فقط بمشاعر عند التمثيل؟!

مستحيل أن يعيش إنسان قد بلغ الثلاثين من العمل (مثلاً) من دون أن يصارع عقبات الحياة، أو يواجه شرار الناس في طريقه!

عزيزي القارئ، إن أغلب المشاهير في التوصل الاجتماعي يبررون بعض أفعالهم التي لا يتقبلها المجتمع من الرقص أو القيام بحركات غريبة وافتعال المشاجرات، يبررون ذلك بصعوبة العيش والفقر وقلة الحيلة والذل الذي تعرضوا له في حياتهم الواقعية والتي أجبرتهم على تلك الأفعال كي يكسبوا المال بالإلحاح على طلب الإعجاب والقلوب والأسود وغيرها، معظم هؤلاء الذين سردوا للناس معاناتهم في الحياة يملكون حسابات بُنيت على الفكاهة والضحك وسرد النكت والرقص والفرح.

بغض النظر عن الهروب من الواقع إلى الحياة الإلكترونية المخيفة والتي كثيراً ما كانت نهاياتها مؤلمة من موت وقتل وسرقة وفضائح ومشاهير خلف القضبان نسيهم المجتمع، كان ذلك الهروب الخاطئ الذي أعتقد أنه هروب بلا تفكير؛ فلم يكن هنالك مجتمع يحتضن هؤلاء المشردين، ولا أسر كلفت نفسها عناء التربية، أو مدارس تبرعت بتعليم إنسان عله يصبح مواطناً صالحاً لوطنه، الأمر لا يتعلق بالمال فقط، كما يقوم البعض بالمقارنة بين طبيب راتبه أقل بكثير من هؤلاء المشاهير، أو من يشجع على الشهرة ويرمي شهادته في أقرب حاوية قمامة، إنه الوقت الذي أقول فيه ليتهم يعلموا أن الأمر لا يتعلق بالمال، وإنما بالعقل الواعي والمثقف لا بشهادة ولا بمكان عمل وإنما بكيانه وشخصيته القوية التي تقاوم بكل أدب وثقة والإنسان الذي يحترم نفسه وتحترمه أسرته وحتى الفريج الذي يعيش.

عندما كبرنا علمنا أن من السهل أن نذرف الدمع، فقط نتذكر أقسى المواقف التي مررنا بها، وربما أصعب الكلمات التي قيلت لنا، أو ناس ظلمونا وجعلونا ربما أضحوكة لمن حولهم، ربما كان الفنان متقناً في دور البكاء عندما يتذكر ذلك.

إن واقع كل شخص كبير مر بظروف صعبة لا تحتاج لعدسة كاميرا كي تجعله يبكي بحرقة على نفسه وما مر به، ولكن الأجمل من ذلك كله أن يكون قوياً بالإصرار على المضي والتوكل على الله، جميعنا بؤساء لكن الأسعد منا هو من قاوم ورفض الاستسلام.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد