ما نراه على صفحات السوشيال ميديا من تحديات ومقالب ومقاطع فيديو و«ريلز» يتداولها الناس ويسرعون لتقليدها «لأنها ترند»، بعضها يدخل فعلياً في إطار العنف ولا علاقة له بالضحك والمقالب الترفيهية والساخرة ولا هو كوميديا طريفة تجمع بين أصدقاء.. بعض «المزاح» يتحول إلى كوارث حقيقية، مثل وضع مجموعة شبان زيتاً أو مياهاً وصابوناً ليتزحلق عليه صديقهم دون علمه بالمقلب، وتنتهي اللعبة التي يتعمد الأصدقاء تصويرها لتكون ترند إلى كارثة حقيقية بارتطام رأس الشاب بالأرض ثم وفاته.هذا المشهد الذي يمر أحياناً أمامنا ونحن نتصفح المواقع، نرى مثله الكثير من المقالب المؤذية التي لا يسميها أحد عنفاً، ولا تنمراً ولا يعترض طريق انتشارها، وهي تصل بكل أسف إلى كل الناس بمن فيهم الأطفال مجاناً ودون سعي أو بحث من قبل أحد، ومن الصعب منعها أو الحؤول دون اقتحامها هواتفنا وصفحاتنا وتصفحاتنا، وكأن هذا العالم ينقصه المزيد من مشاهد العنف وممارساته كي يدخل أيضاً تحت ستار الضحك واللعب و«البراءة».العنف ينتشر ويتغلغل بوسائل كثيرة، ربما في الماضي كان محصوراً بنوعية أفلام سينمائية، وكان الإنسان يستطيع التحكم بمنع أبنائه من مشاهدتها، وكانت نسبة وجودها أقل بكثير من نسبة وجود الأفلام الطفولية البريئة والمفيدة تربوياً وتعليمياً، أو حتى على الأقل ساذجة، في حين صار للصغار مكان مفتوح ومستمر في عالم الكبار، يشاهدون كل ما يحدث وتصلهم التطورات والدعوات للدخول إلى صفحات مشبوهة ومواقع نجهل مصدرها وفيديوهات يتعلمون منها أشياء لا تخطر على بالنا، وتعلمهم أيضاً الهوس بتصوير الذات بالصوت والصورة وقول أي شيء حتى التطاول على الأم والأب والجد والجدة.. ويتداول المقطع الناس وكأنه حدث عظيم فيتمادى الطفل في تجرئه على ذويه، ووقاحته تصبح سبباً في شهرته!ربما علينا إعادة النظر في زيادة دور وأهمية وجود مختصين نفسيين في المدارس يساعدون على تقويم سلوكيات أطفال هذا الجيل، وتوعيتهم بطرق علمية صحيحة لمواكبة التقنيات والوسائل التي يستخدمونها بما يضمن سلامتهم النفسية والاجتماعية والأخلاقية، مهم أن يكون لعلم النفس دور حقيقي وفاعل في المدارس لمساعدة أولياء الأمور على مواكبة ما يعيشه الطفل وما يشاهده ويتعرض له، كي لا تكبر الفجوة بين الأهل والأبناء ويشعرون بعجزهم في إيجاد لغة حوار مقنعة بينهم وبين أطفالهم، خصوصاً في ظل تحوّل العنف إلى مقالب ولعب بين الصغار والكبار أيضاً.
مزاح كارثي
مواضيع ذات صلة