: آخر تحديث

أمة تحتار ولا تختار

10
8
7

علي عبيد الهاملي

في مثل هذه الأيام المباركة، العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، ويوم عيد الأضحى المبارك، وعلى مدى تسعة أعوام، تعودت أن أحاول رصد أحوال الأمة، خاصةً ونحن نشاهد هذه الجموع الغفيرة من المسلمين تفد من كل بلاد الدنيا إلى الأراضي المقدسة، لأداء مناسك الحج، متجردين من مظاهر الدنيا، مبتهلين إلى المولى جلّ وعلا، أن يغفر ذنوبهم، وييسر أمورهم، ويوحد صفوف الأمة، كي تعود أقوى مما كانت، ثم يرجعون إلى ديارهم، مغفورة ذنوبهم بإذن الله تعالى، ليعيشوا الأحداث نفسها التي كانوا يعيشونها قبل أداء المناسك، ويتكرر المشهد نفسه في الأعوام التالية، وتمضي الأيام، وحال الأمة على ما هو عليه، بل تسوء الأحوال، ولا يعرف أحد كيف سيكون المآل.

كان أول هذه المقالات في شهر سبتمبر من عام 2016 م، وكان عنوانه هو: «أمة تنتحر». لم يكن العنوان من عندي، بل كان مأخوذاً من تعبير للشيخ عبد الله بن الشيخ محفوظ بن بيه، أحد كبار علماء الأمة المعاصرين.

وقد جاء وصفه هذا، في مجال تشخصيه لحال الأمة، خلال حوار تلفزيوني أجري معه في مثل هذه الأيام المباركة، حيث قال وقتها إن الحال كارثية، وأردف: «إنها أمة تنتحر». ثم توالت المقالات بعد ذلك عاماً بعد عامٍ، تحت عناوين مختلفة، كان منها: «أمة تختنق»، و«أمة تتطلع»، و«أمة تبتهل»، و«أمة تنتظر»... وهلمّ جرّا.

تحت هذه العناوين وغيرها، حاولتُ على مدى الأعوام التسعة الماضية، أن أرصد أحوال الأمة، تبعاً لمجريات الأحداث، ووفقاً للقرارات التي تتخذها مراكز القوى فيها، وهي مراكز كثيرة ومتشعبة، لم تعد تقتصر على الحكومات وحدها، فقد أصبح هناك قرارات تتخذها مراكز قوى غير تابعة لحكومات الدول، تبدأ من بعض المرجعيات لدى بعض الطوائف، ولا تنتهي عند بعض الجماعات التي يبدو لنا أنه لا وزن لها، في حين أن بعضها يمكن أن يتخذ قرارات تتسبب في حروب كارثية، نعرف لها بداية، ولا نعرف لها نهاية في كثير من الأحيان.

وما بين الإقدام على الانتحار، كما جاء على لسان الشيخ عبد الله بن بيه، والشعور بالاختناق، والتطلع إلى المستقبل، والابتهال إلى الخالق، وانتظار المجهول بتسليم كامل، ما بين هذه الأحوال المتغيرة من حين إلى حين، ومن زمن إلى زمن، تمر الأيام والأعوام، ولا يلوح في الأفق ضوء يقود إلى الخروج من النفق، بل ربما يبدو البقاء في الأنفاق هو القرار الذي تتخذه بعض الجماعات، تاركةً بقية الأمة تواجه مصيرها المحتوم، أمام القوى الغاشمة التي لا قبل لها بحربها ومواجهتها، ولا حتى قدرة البقاء على قيد الحياة، في ظل البطش الذي تمارسه تجاهها.

هذه هي الصورة التي تبدو أمامنا اليوم، وهي صورة قاتمة من دون شك، تقف كل محاولات التحسين والتجميل عاجزة أمامها، إذا أردنا الحقيقة، لا المجاملة وخداع النفس والتزييف، كما يحاول البعض أن يفعل.

ورغم هذا، فإن اليأس ليس هو الحل، لأن الأمم التي نهضت من كبواتها، هي الأمم التي ألغت كلمة «اليأس» من قاموس حياتها، وواجهت واقعها بشجاعة، وراجعت قراراتها بصراحة، ولم تخجل من الاعتراف بأخطائها، وسعت إلى تصحيحها بصبر وأناة وإرادة.

الخيارات أمام الأمة ليست كثيرة، لكن فرص النهوض من الكبوة ليست مستحيلة أيضاً، فرغم الحُفَر العميقة التي أوقعنا فيها المتهورون، ورغم المآسي الكبيرة التي قادونا إليها، إلا أن فرص النجاة ما زالت قائمة، ما دام هناك عقلاء وحكماء على رأس حكومات بعض بلداننا، وقد نجحوا في إنقاذها من السقوط، عندما تهاوت بعض العروش، وأزيلت أنظمة حكمت عقوداً طويلة من الزمن، الأمر الذي يعني أن النجاة ممكنة، عندما نمتلك العقل والحكمة، ونضع مصلحة البلدان والشعوب فوق مصلحة الجماعات والأفراد، ولا ننقاد للأيديولوجيا المدمرة والمصالح الضيقة، التي تنظر إلى مصلحة الجماعة أو الطائفة فقط، وتضعها فوق مصلحة الوطن.

وما دامت الخيارات موجودة، وفرص النجاة ممكنة، فالمطلوب منا هو الاستفادة من تجارب المراحل السابقة، والذهاب إلى الخيار الأفضل، الذي يجنب الأمة المزيد من الدماء وخسارة الأرواح والممتلكات والأوطان. لهذا، علينا أن نختار ولا نحتار، لأن الأمم التي تضيّع فرصة اختيار الحل الصحيح في الوقت المناسب، تتعرض للهلاك والفَناء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.