: آخر تحديث

الطريقة الوحيدة التي لم يغير بها ترمب الحزب الجمهوري

7
7
6

ثمة اتفاق عام حول فكرة أنه إذا كانت سياسات إدارة الرئيس دونالد ترمب الأولى تمثل نوعاً من التسوية بين دوافعه الشخصية ومبادئ الحزب الجمهوري التي سادت قبل صعوده، فإن ولاية ترمب الثانية تعد بمثابة تجسيد كامل للميول الترمبية. والآن، انهار النظام القديم، بينما تعرض الجمهوريون المنتمون لعصري بوش وريغان إما للنفي أو الإخضاع، وأصبح ترمب وحده من يرسم ملامح أجندة الحزب الجمهوري. وهناك مجالات يتجلَّى فيها هذا الوضع. مثلاً، يمكن وصف سياسة ترمب الخارجية بصور مختلفة - باعتبارها نسخة واقعية متأثرة بالجاكسونية، أو باعتبارها حملة صفقات سريعة، أو باعتبارها محاولة غير أخلاقية لتعزيز نظام عالمي أشد استبدادية - لكن في كل وصف يمكن ملاحظة معالم شيءٍ متماسكٍ ومميز يخص ترمب نفسه.

وكذلك الأمر في الحرب الثقافية الترمبية، التي بدأت بصراعات بيروقراطية داخلية، وأصبحت الآن تسعى لإذلال جامعة هارفارد. ربما تتسم هذه الحرب بالتهور، أو السعي لمعاقبة آخرين، أو مشكوك في قانونيتها، ومع ذلك فإنها تطرح سرداً متماسكاً يسعى لسحق معاقل الليبرالية الثقافية باعتبار ذلك هدفاً ترمبياً فريداً من نوعه.

إلا أن المعارك المتعلقة بالموازنة، التي أسفرت الأسبوع الماضي عن تمرير مشروع قانون الضرائب في مجلس النواب، تبدو بمثابة استثناء ملحوظ لهذه القاعدة. على هذا الصعيد، لا يزال الحزب الجمهوري القديم قوياً، ولا تزال الأفكار القديمة مهيمنة. هنا تبدو «الترمبية» بوصفها قوة قادرة على إحداث تحول، ضعيفة نسبياً. ويرجع ذلك لأسباب، منها أن ترمب نفسه لا يعرف تماماً ما الذي يريده. أضف إلى ذلك، أنه هنا يصعب التوفيق بين الطريقة التي يعتزم بها الجمهوريون إدارة الضرائب والإنفاق، وعناصر أخرى من أجندة الإدارة، خصوصاً فيما يتعلق بالتجارة والهجرة.

بشكل عام، مشروع قانون الضرائب الذي أقره مجلس النواب، كان يمكن تمريره في عهد أي رئيس جمهوري في فترة حياتي البالغة. فيما يتعلق بإعطاء الأولوية لخفض معدلات الضرائب على الدخل المرتفع والشركات، فإن هذه بمثابة أنشودة الاقتصاديات القائمة على جانب العرض. أما عن الجمع بين هذه التخفيضات الضريبية وتخفيضات في برنامج «ميديكيد» والبرامج التقديرية، فإن هذا فكر حزب بول رايان الجمهوري. أما اكتشاف أن تخفيضات الإنفاق لا تغطي تخفيضات الضرائب، فإن هذا النهج المحافظ الممول بالعجز، الذي رأيناه في عهدي ريغان وبوش.

بطبيعة الحال، هناك عناصر في مشروع القانون تتعلق بترمب وائتلافه على وجه التحديد. حزب الجمهوريين في عهد رايان كان منفتحاً على تقليص «ميديكير» و«الضمان الاجتماعي»، أما حزب ترمب فلا يقترب من تلك البرامج.

قد يرد البعض بالقول إن ترمب يدعم مشروع القانون «العظيم الكبير»؛ إذن فهو ترمبي بالتعريف. وربما يكون ترمب ببساطة جمهورياً من الحرس القديم، فيما يخص الضرائب والتحويلات.

من جهتي، لا أظن أن هذا صحيح تماماً. لدى ترمب كثير من الميول الاقتصادية التي تختلف عن الإجماع القديم. ولذلك، دفع الحزب نحو اليسار فيما يخص «ميديكير» و«الضمان الاجتماعي».

ولا ينسجم هذا الوضع الافتراضي، بدوره، مع العناصر الأخرى في التوجه الترمبي، فهو لا ينسجم سياسياً مع الخطابات الشعبوية لترمب، لأنه لا يقدم الكثير لقاعدته من الطبقة العاملة. كما أنه لا ينسجم اقتصادياً؛ لأنه لا يتماشى مع الأولويات التي توحي بها تحركات ترمب الكبيرة في مجالي التجارة والهجرة.

ترفض هاتان الخطوتان الكبيرتان منطق العولمة، الذي ساد في تسعينات وأوائل الألفينات، ويفترض أن حرية حركة السلع والأشخاص إلى أقصى حد ممكن، ستعود بالضرورة بالنفع على الولايات المتحدة.

فيما يخص التجارة، على سبيل المثال، فإن الفكرة الترمبية التي تركز على بناء قاعدة تصنيع أميركية قوية - سواء من أجل زيادة فرص العمل للعمال ذوي الياقات الزرقاء، أو لأسباب تتعلق بالأمن الوطني - توحي بشدة بأن الحكومة يجب أن تسعى بشكل شامل لتعزيز الصناعة الأميركية والابتكار، بطريقة تحاكي في جزء منها النموذج الصيني.

ولدى إدارة ترمب بعض الأفكار في هذا المجال، واستراتيجية لتقليل القيود التنظيمية.

أظن أنه خلال العام المقبل، سنسمع بعض الحديث عن مشروع قانون للبنية التحتية أو السياسة الصناعية من إدارة ترمب، لكنه سيفشل، كما حدث في الولاية الأولى، لأن الجمهوريين في مجلس النواب غير مهتمين، والديمقراطيين لا يرون أي فائدة من التعاون الحزبي.

وبالمثل، في مسألة الهجرة، تقوم نظرية ترمب على أن أميركا يمكن أن تزدهر بمعدلات هجرة منخفضة لذوي المهارات المتدنية، بفضل مزيج من الطفرات التكنولوجية (ربما أخيراً سيصل عصر الروبوتات)، وارتفاع الأجور الذي سيشجع الرجال المنسحبين من سوق العمل على العودة إلى وظائف المصانع.

إلا أنه على المدى البعيد، إذا كانت معدلات الهجرة منخفضة للغاية، فستحتاج إلى معدلات مواليد محلية أعلى. بالطبع، من الممكن أن تكون إدارة ترمب محظوظة، وأن تؤدي إزالة القيود التنظيمية وحدها إلى فتح الطريق أمام طفرات تكنولوجية تحدث دون دعم حكومي، وأن يؤدي الحراك الثقافي إلى تجدد أسرع في تكوين العائلات أكثر مما قد تحققه أي برامج حوافز للولادة أو إعفاءات ضريبية للأطفال. إلا أنه في مجال السياسة المالية، وفي ظل مخاطر الدين والتضخم، لن تكون هناك أجندة جمهورية موجهة بالكامل نحو الأهداف الشعبوية، ما لم يوجد رئيس جمهوري مستعد لكسر أحد المحرمات المحافظة التي أبقى عليها ترمب إلى حد كبير.

* خدمة «نيويورك تايمز»


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد