ميسون الدخيل
قرأت خبرًا، أدهشني وأعترف أنه أضحكني فعلًا، ليس فقط لجهل المعترضين بالشريعة الإسلامية، ولكن أيضًا لجهلهم بتاريخ تدرج بناء مفردات القانون لديهم! في الآونة الأخيرة، شهدت مدينة «بلينو» في ولاية تكساس، حادثة مثيرة للجدل عندما أبلغ مطور عقاري عن تلقيه اتصالات كراهية تتعلق بمشروع إسكان مقترح يتضمن منازل، ومستشفى، ومكانًا للعبادة، ورغم أن المشروع يستوفي جميع الإرشادات القانونية، فإن بعض المشرّعين الجمهوريين اعترضوا عليه، مدّعين أنه ينتهك الحقوق ويعزز الشريعة الإسلامية! هذه الادعاءات، التي ينفيها المطور، تكشف عن مدى الجهل والخوف من ما هو غير معروف. هذه الواقعة تُبرز أهمية الوعي بالتاريخ، خاصة التاريخ القضائي، لفهم الجذور الحقيقية للمخاوف. فبدلًا من الوقوف ضد ما لا نفهمه، يجب أن نسعى للتعليم والتثقيف عن التنوع الديني والثقافي، ما يسهم في بناء مجتمع أكثر تسامحًا وفهمًا، فمن خلال التعرف على تاريخ الأنظمة القانونية المختلفة، يمكننا تجاوز الخرافات والنظرة القاتمة للشريعة الإسلامية، وفتح آفاق جديدة للحوار والتفاهم. في النقاشات المعاصرة حول الأنظمة القانونية، خاصة في الدول ذات الجاليات المسلمة، يُثير مصطلح «الشريعة الإسلامية» ردود افعال قوية، كما رأينا بالمثال الذي ذكر في المقدمة، حيث يُعبر الكثيرون عن مخاوفهم أو استهجانهم لها، معتبرين إياها نظامًا رجعيًا أو قمعيًا! لكن، عند النظر عن كثب، نجد أن العديد من المبادئ المستمدة من الشريعة قد تم دمجها بالفعل في أطر قانونية حول العالم، حتى في الدول غير المسلمة. فهم هذه التأثيرات يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة للحوار حول الشريعة وآثارها. تاريخيًا، تتشابك جذور العديد من الأنظمة القانونية الغربية مع التعاليم الدينية، بما في ذلك المسيحية، ففي العصور التي كانت فيها الكنيسة تتمتع بسلطة كبيرة، كان الطلاق محظورًا تقريبًا، وكانت حقوق المرأة محدودة فيما يتعلق بالميراث والملكية، وكانت النساء تُعاملن كأنهن ممتلكات، مع قلة من السبل القانونية المتاحة لهن، أما الشريعة الإسلامية، فقد قدمت وجهات نظر أكثر تقدمية، حيث وضعت مبادئ توجيهية تمنح النساء حقوقًا واضحة في الميراث والتملك والدعم المالي، خصوصًا بعد الطلاق. ومع تطور المجتمعات، بدأت المبادئ المستندة إلى الشريعة تؤثر في النظم القانونية في جميع أنحاء العالم.، مثلًا إدخال قوانين الطلاق في الدول الغربية، مثل قانون القضايا الزوجية لعام 1857 في إنجلترا، كان تحولًا كبيرًا نحو الاعتراف بالحقوق الشخصية في العلاقات الزوجية؛ وهذا القانون سمح للأفراد بطلب الطلاق لأسباب لم تكن متاحة سابقًا، ما يعكس حركة نحو مزيد من الاستقلالية في الزواج. ورغم أن الدفعة الأولى لهذه الإصلاحات لم تكن مستوحاة من الشريعة مباشرة، فإن التبادلات الثقافية بين العالم الإسلامي وأوروبا خلال العصور الوسطى أسهمت في نشر أفكار العدالة والإنصاف وحقوق الأسرة؛ لقد تبادل علماء وفقهاء كلا الطرفين الأفكار، ما أتاح تكامل المفاهيم القانونية التي أسهمت في تشكيل الممارسات القانونية المستقبلية. المثير للاهتمام أن تأثير الشريعة الإسلامية نتيجة للتأثيرات الإسبانية التي تعود إلى المذهب المالكي في الأندلس يتجاوز الحدود الأوروبية حتى أنه وصل الولايات المتحدة، حيث دخلت عناصر من الشريعة عبر ولاية تكساس التي تأسست على يد الإسبان وكانت تحت حكمهم لفترة من الزمن قبل استقلالها وانضمامها للولايات المتحدة الأمريكية، بمعنى أن هذا الاتصال التاريخي يُظهر كيف تغلغلت مبادئ الشريعة في التقاليد القانونية المختلفة، ما أسهم في غنى نسيج القانون الأمريكي؛ فعلى سبيل المثال، يُدرك العديد من علماء القانون أن مبادئ الإنصاف والعدالة الموجودة في الشريعة الإسلامية لها أوجه تشابه مع الأطر القانونية الأمريكية، خاصة في قانون الأسرة، والتركيز على المعاملة العادلة في قضايا الطلاق يمكن إرجاعه إلى هذه الفلسفات القانونية المشتركة، التي تعطي الأولوية لرفاهية الأفراد والأسر. ومن الجوانب التي تُغفل غالبًا في الشريعة الإسلامية هو تأكيدها على احترام التنوع وحماية حقوق الأقليات حيث توفر الشريعة أطرًا لضمان حقوق مختلف الفئات، بما في ذلك النساء والمجتمعات المهمشة، ويتماشى هذا الالتزام بالعدالة مع القيم المعاصرة للشمولية واحترام التنوع، وهما عنصران أساسيان في النظم القانونية الحديثة. ففي العديد من الثقافات الإسلامية، فُسِّرت مبادئ الشريعة لدعم حقوق غير المسلمين والفئات المهمشة، داعية إلى حمايتهم وإدماجهم في المجتمع، وهذا الجانب من الشريعة يتحدى الصورة النمطية عنها كنظام قمعي، بل يُظهر إمكانياتها في تعزيز الانسجام الاجتماعي والعدالة. عندما يعترف الغرب بأن جوانب الشريعة مثل حقوق الطلاق والميراث وحماية حقوق الأقليات متجذرة في مبادئ العدل، يمكنهم حينها البدء في تفكيك الصور النمطية التي تعزز العداء تجاهها، لذا من الضروري إدراك أن هذه المبادئ ليست حكرًا على الثقافة الإسلامية، بل تعكس سعيًا عالميًا للعدالة يتجاوز الحدود الدينية، حيث تُبرز القواسم المشتركة بين الشريعة والمبادئ القانونية الغربية تجربة إنسانية واحدة. بينما تتم مناقشة القانون والحقوق عندهم، من المهم تناول هذه المواضيع بعقل منفتح، مع الاعتراف بأن التقاليد القانونية المختلفة يمكن أن تُثري بعضها البعض، ومن الضروري إدراك أن مبادئ العدالة والإنصاف واحترام الحقوق الفردية الموجودة في الشريعة الإسلامية أثرت في النظم القانونية حول العالم، بمعنى أنه في خضم النقاشات حول القانون والحقوق، يجب إعطاء أولوية لفهم هذه الروابط التي ستؤدي إلى تقديرً أكبر للتنوع والقيم المشتركة التي تُشكل أساس أطرها القانونية. لذا، يجدر بهم التفكير في آثار معارضة الشريعة، خاصة عند الدفاع عن حقوق مُكرّسة في تعاليمها، وإذا رغب أي مجتمع غربي في نظام قانوني يُعلي من شأن العدالة والإنصاف، فعليه الاعتراف بمساهمات الشريعة في تعزيز هذه القيم؛ على الأقل في المرة القادمة التي يُعبّر فيها أحدهم عن ازدرائه للشريعة، فليتوقف قليلًا وليتأمل التالي: «إذا كنت ترفض الشريعة، فلا تطلب الطلاق»! بتبني فهم أكثر شمولية للنظم القانونية، والابتعاد عن العنصرية والكراهية، يمكن التوجه نحو مستقبل يحل فيه الحوار محل الانقسام، وتُقدّر فيه تعقيدات القانون لمساهمتها في بناء مجتمع عادل.إذا كنتم ترفضون الشريعة فلا تطالبوا بالطلاق
مواضيع ذات صلة