حتى عام 1978، كان جميع الباباوات في الذاكرة الحديثة إيطاليين. ومع ذلك، كسر انتخاب البولندي يوحنا بولس الثاني هذا التقليد. ثم تبعه البابا الألماني بنديكت السادس عشر، في عام 2005. وفي عام 2013، أصبح البابا فرنسيس أول يسوعي يُنتخب للمنصب، وكان من الأرجنتين. وقد توفي البابا فرنسيس في 21 أبريل الماضي، وتم انتخاب خلفه، البابا ليو الرابع عشر، في 8 مايو. ولدهشة العالم، فقد كان البابا الجديد أميركياً!
ولطالما اعتُبر انتخاب بابا أميركي أمراً غير مرجح للغاية من قبل مجمع الكرادلة الذي يجتمع في «الكونكلاف» (المجمع السري) لاختيار قائدهم. وخلال الحرب الباردة، ظهرت ثلاثة تحالفات أو تكتلات دولية متميزة. فقد هيمنت الولايات المتحدة على «العالم الحُر»، والذي كان يشمل جميع الديمقراطيات الغربية، بما في ذلك الديمقراطيات الجديدة في آسيا، وخاصة كوريا الجنوبية واليابان.
أما الكتلة الشيوعية فشملت الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية، وفي البداية الصين ودولاً نائية مثل كوبا. أما المجموعة الثالثة، المسماة «دول عدم الانحياز» أو الدول الأقل نمواً، فكانت بقيادة الهند وعدد من الدول المهمة في أفريقيا وأميركا اللاتينية.
ونظراً لتركيز البابوية بعد الحرب العالمية الثانية على الطابع الدولي، فقد بُذلت كلُّ الجهود لتجنب الانحياز إلى الفصائل المتنافسة، مما جعل انتخاب بابا أميركي أمراً غير وارد. كما أن هناك عوامل أخرى كانت تعارض هذا الاختيار، مثل حداثة الكنيسة الكاثوليكية في الولايات المتحدة مقارنةً بالدول الكاثوليكية الأوروبية العريقة، إضافةً إلى وجود مخاوف من أن الكنيسة الأميركية قد تأتي بأفكار أكثر تطرفاً فيما يتعلق بلاهوت الكنيسة والطقوس القديمة للكاثوليك التقليديين.
وفي عام 1978، حدث تقدم كبير مع انتخاب البابا البولندي الذي كان نشطاً سياسياً ومعارضاً للنظام الشيوعي في بلاده. ويقول بعض المؤرخين إن تأثير البابا يوحنا بولس، إلى جانب الرئيس الأميركي رونالد ريجان، ورئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر، والأمين العام الإصلاحي للحزب الشيوعي السوفييتي ميخائيل جورباتشوف، كان له دور في سقوط الاتحاد السوفييتي ونهاية الحكم الشيوعي في أوروبا الشرقية. وقد كان هذا حدثاً ذا تبعات كبيرة. وفي عام 2005، صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن «انهيار الاتحاد السوفييتي كان أعظم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين».
والمفارقة أن إعادة انتخاب دونالد ترامب بوصفه الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، قد تكون ساهمت في اختيار البابا ليو الرابع عشر. والرئيس ترامب مهتم بتنفيذ سياسة «أميركا أولاً»، والتي تعني، في نظر العديد من الأميركيين ومعظم حلفاء أميركا، انسحاباً من قيادة «العالم الحر» والتركيز على النهج الاقتصادي التجاري في العلاقات الدولية، مما أوجد حالةً من الترقب إزاء الخطوات التالية بالنسبة لواشنطن، وهي خطوات قد تؤثر على النظام العالمي ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي دعّمه جميع الرؤساء السابقين، بغض النظر عن انتمائهم الحزبي. وقد تسببت الحروب التجارية في فجوات بين الحلفاء.
وفي هذا السياق، فإن خلفيّة البابا ليو الرابع عشر تقدم تبايناً واضحاً. فعلى الرغم من أنه وُلِد ونشأ في شيكاغو، فقد أمضى 22 عاماً في بيرو وأصبح مواطناً بيروفياً متجنساً مع احتفاظه بجنسيته الأميركية. كما أمضى 15 عاماً في الفاتيكان، ولذلك فهو يجمع بين الخبرة في النشاط الرعوي على مستوى القواعد مع أفقر فئات المجتمع، وخبرته الواسعة في حوكمة الفاتيكان وسياساته. كما أنه يتحدث الإسبانية والفرنسية والبرتغالية والإيطالية بطلاقة، بالإضافة إلى لغته الأم (الإنجليزية). ولأنه يُنظر إليه كأممي، فربما يكون زملاؤه قد رأوا فيه الخليفةَ المثالي للبابا فرنسيس والتباين الواضح مع السياسات الرسمية لبلده الأم.
الوقت وحده كفيل بإثبات ما إذا كان البابا ليو الرابع عشر سيرقى إلى مستوى التوقعات العالمية العالية، لكنه يبدو وقد بدأ بدايةً واعدة.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست» - واشنطن