خالد بن حمد المالك
مع كل ما رافق زيارة الرئيس دونالد ترمب للمملكة من نجاحات اقتصادية واستثمارية، وشراكات في كثير من المجالات، وكلها تصب في خانة تجسير العلاقات بين بلدينا، وبينما هي تقترب الآن من بلوغ عمرها قرناً من الزمان، فإن تدخل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في رفع العقوبات عن سوريا، ونجاحه في إقناع الرئيس الأمريكي في ذلك، وجمعه بالرئيس السوري أحمد الشرع، إنما يمثِّل قمة التعاطي بنجاح مع هذه التعقيدات والتحديات التي كانت تؤرق سمو الأمير.
* *
وفي خطوة مفاجئة لم يكن أحد يتوقعها، ظهر الرئيس الشرع إلى جانب الأمير محمد والرئيس ترمب يهندسون لقرار تاريخي يعيد لسوريا أمنها واستقرارها ووحدتها، ويخْليها من عناصر الإرهاب، والتدخل الأجنبيين، ويخلصها من التراكمات السيئة التي تركها نظام بشار البائد، ليكون رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا بمثابة إحياء وإنقاذ للدولة السورية بعد عقود حُكم عليها بالموت خلال نظام حافظ الأسد، ومن بعده نظام ابنه بشار، وهي اليوم من الرياض تستعيد حياتها ومكانتها وصورتها الجميلة، وتطمئن مواطنيها بما ستكون عليه حياتهم مستقبلاً من استقرار، ووضع معيشي أفضل مع النظام الجديد.
* *
الاجتماع الذي ضم الأمير محمد بن سلمان والرئيس دونالد ترامب والرئيس أحمد الشرع في الرياض، يُمثل تقدير الرئيس الأمريكي لمكانة المملكة وقيادتها، وحرصه على دعم مُبادراتها الراقية لرفع مُعاناة الشعب السوري الشقيق، وتعزيز أمن واستقرار المنطقة، وتثمينه لما قامت به المملكة من جهود دبلوماسية نشطة لدعوة الأطراف الدولية لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، ما جعل الرئيس ترامب يُسارع إلى الإعلان من جانبه عن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، تلبيةً لطلب من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
* *
لم تكن المفاجأة في إعلان رفع العقوبات فقط، وإنما بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع واجتماعه بالرئيس الأمريكي، وما كان هذا ليتم لولا استضافة المملكة للاجتماع، واستثمار زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة، ومكانة ولي العهد لديه لتحقيق رفع العقوبات، بدليل إعلانه بأن هذا القرار المهم والتاريخي، تم بطلب من محمد بن سلمان، وبهذا القرار تكون المملكة قد أنجزت ضمن جهودها أهم التحديات التي تواجهها سوريا، مع استمرار الرياض ببذل المزيد من الجهد لإعادة سوريا إلى محيطها العربي، والتأكيد على وحدة أراضيها واستقلالها، ورفض التدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية.
* *
ولم يكن غريباً ولا مستغرباً أن تحتفل المدن السورية مبتهجة برفع العقوبات الأمريكية، وأن يظهر المواطنون على شكل مسيرات تجوب الشوارع بالأعلام السعودية والسورية ليعبروا عن فرحتهم بهذا القرار الأمريكي التاريخي، ضمن تطلعهم إلى أن يكون بداية لرفع العقوبات الأوروبية عن بلادهم التي يتحمل مسؤوليتها النظام البائد، وقد أضرت كثيراً بسوريا والسوريين على مدى سنوات طويلة، وقد أخذت بها أمريكا ودول أوروبا بسبب جرائم بشار الأسد، وتسلط نظامه على المواطنين، وكان لابد مما ليس منه بد.
* *
وسوف يسهم رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا في تعزيز أمنها واستقرارها، وإنجاح العملية الانتقالية، ودعم الحكومة السورية في التصدي لما تواجهه من تحديات اقتصادية، والإسهام في رفع المعاناة عن الشعب، خاصة مع قيام النظام الجديد بخطوات إيجابية في اتخاذ نهج الحوار مع الأطراف السورية، والتزام الحكومة بمكافحة الإرهاب، وحرصها على استيعاب جميع مكونات الشعب السوري، بما يعزز دور سوريا في دعم نظام الأمن الإقليمي.
* *
ولا أضيف جديداً حين أقول: إن المملكة كانت سباقة إلى دعم سوريا منذ الأيام الأولى لحكومة الشرع، حيث كانت أول طائرة هبطت في سوريا بعد سقوط الأسد سعودية، كما زار سوريا وفد سعودي بتاريخ 22 ديسمبر 2024م، ثم زارها وزير الخارجية والتقى الرئيس السوري الشرع في 24 يناير 2025م، كما استضافت المملكة اجتماعات الرياض بشأن سوريا، بمشاركة واسعة من الدول العربية وأمريكا والدول الأوروبية والمنظمات الدولية لدعم سوريا، وتقديم العون لها، وهذا الاجتماع الذي جمع الرئيس الأمريكي والرئيس السوري بحضور ولي العهد يعد حدثاً تاريخياً، فهو أول لقاء أمريكي - سوري على مستوى القيادة منذ ما يقارب 25 عاماً.