يقول أبو خالد معاتباً: «.. والله لم يؤثر بياعو البنك والترمس والرقّي على المرور، ويجب تركهم (يترزقون الله)، فهؤلاء من طبقة مهمشة وفقراء، ولا شك أن لديهم أسراً، فكيف تدعو لإفقارهم!».
أبو خالد خبير نفطي، وعالي الشهادة والخبرة، ومع هذا لم يستطع رؤية الجوانب الأخرى من المشكلة، وركّز فقط على أن هؤلاء يجب تركهم لحالهم، غير مدرك أن ترك الحبل على الغارب ستنتج عنه مشاكل صحية واجتماعية، وحتى مالية، بعد أن أصبح هؤلاء الباعة يضيفون أصنافاً جديدة لـ«بسطاتهم». وبينت لأبي خالد أن ظاهرة بيع المواد، الغذائية بالذات، على الطرقات، ظاهرة غير صحية، وضارة لأصحاب المحال ولتجّار الخضار والفواكه، الذين يقومون بدفع إيجارات عالية لمحالهم، وربما سبقها دفع «خلو» مرتفع، كما تطلب الدولة منهم دفع رسوم إصدار مختلف الشهادات، وفحص عمالتهم للتيقن من خلوهم من الأمراض، وغير ذلك من التزامات مالية، ثم يأتي من يقوم بعرض بضاعته على الطريق، بصرف النظر عن حالته الاجتماعية، من دون الحصول على أية موافقات، أو تطبيق أية اشتراطات صحية أو قانونية، ومع كل هذا نعتبر وجود المخالفين مساعدة لهم على كسب العيش، مع كل ما يمثله ذلك من تجاهل للقوانين المنظمة للعمل التجاري داخل أي مجتمع!
وصف شخص يخالف قيام البعض ببيع بضاعة على الأرصفة، بأنه مصاص دماء، يتضمّن مبالغة، ويعتبر ظلماً لهم، علماً بأنني سبق أن أعلنت التخلّي الطوعي عن صفة تاجر، وبالتالي أصبحت مع أبي خالد من فئة المتقاعدين، لكن لا يعني ذلك أن أكون معه في وصف التجّار بتلك الصفة، فالمسألة أكثر تعقيداً من ذلك، فشراء مادة غذائية من محل غير مرخص، وتضرر المستهلك منه، بالتسمم مثلاً، نتيجة تعرّض الطعام المعروض للبيع للجراثيم وأتربة الطريق وانبعاثات المركبات، مسؤولية يصعب تحميلها لذلك «البائع المسكين». وماذا لو توقفت سيارة أو أكثر لشراء شيء من هؤلاء، وتسبب وقوفها المفاجئ في وقوع حادث سير، أو تسببت في عرقلة حركة المرور؟
نحن بحاجة إلى إصدار قوانين تمنع مثل هذه المظاهر غير الصحية وغير الحضارية، وإن وجدت، فإن على مفتشي البلدية والتجارة، وحتى الداخلية، منعها، ليتوقف أبو خالد عن وصف «تاجر متقاعد» بـ«مصاص دماء».
أحمد الصراف