محمد ناصر العطوان
الدين الإسلامي، الذي خرج من الصحراء، أسس عبادات وصلاة مرتبطة بالماء... إنه لشيء يدعو للتأمل والتفكر، كيف لدين في الصحراء العربية التي يندر فيها الماء، ولا يوجد فيها أنهار وقلية الأمطار... أن يشترط في الصلوات الخمس الوضوء بالماء، ليس هذا فقط بل وحث على الاستحمام وأوجب الاغتسال واستخدام الماء للطهارة حتى في الصحن الذي ولغ فيه الكلب!. أليس من الغريب عزيزي القارئ أن الديانات الأخرى التي ظهرت في أماكن فيها أنهار وجداول وشلالات في كل مكان لم تحتف بالماء مثلما فعل الدين الإسلامي... ولا أعرف ديناً احتفى بالنظافة الشخصية كما فعل الإسلام.
خلال فترة محاكم التفتيش في إسبانيا، كان هناك العديد من الممارسات التي يُنظر إليها بعين الريبة، وكانت تدل على أن صاحبها من المسلمين المتخفين تحت ستار المسيحية تحت الإكراه... ومن هذه الممارسات النظافة الشخصية!
تخيل لو أنك كنت تعيش في زمن محاكم التفتيش فإن الكنسية تأخذك لكي تضع على رأسك الخوذة الحديدة وتتحطم عظام رأسك، فقط لأنك تستحم بشكل منتظم في الأسبوع ما يُعتبر شبهة تدل على أنك مسلم متخفٍ في المسيحية، حيث كان يُعتقد أن من يقوم بذلك يلتزم بممارسات غير مسيحية.
أيضا كان استخدام العطور أو الزيوت العطرية يُعتبر ممارسة مشبوهة، تدل على أنك من المسلمين، أما اذا شاهدك أحدهم وأنت تتطهر بالماء بعد قضاء الحاجة فهذا يعني أنه سيتم جلوسك على الكرسي الحديدي المزود بالمسامير، ثم بعد ذلك تمر على المسمار الإسباني!
في هذا الوقت كانت إسبانيا كلها مجيرة للتفتيش والتنقيب عن القوم الذين يتطهرون بالماء، وكان الجيران والمجتمع يراقبون عن كثب تصرفات الأفراد، وأي علامة على النظافة الزائدة كانت لا تُفسر لصالح المتهم بل دليل إدانة! فيتم استدعاء الأفراد أمام محاكم التفتيش.
للأسف الشديد كل التقارير والدراسات التاريخية التي أطلعت عليها وتتكلم عن فترة محاكم التفتيش تركز في الغالب على استخدام التعذيب وأدواته أكثر من التركيز على الاثار التي ظهرت نتيجة محاربة النظافة الشخصية مثل الأوبئة والطاعون والكوليرا، والتي عادة يتم ربطها بضعف البنية التحتية الصحية أو تراكم النفايات.
لذلك، فلا يمكنني القول إن محاكم التفتيش كانت سبباً مباشرا للأوبئة في أوروبا، ولكن يمكنني القول إن المناخ الاجتماعي والثقافي الذي تزامن مع تلك الفترة قد ساهم في «زيادة الوساخة»، ومحاكم التفتيش كانت جزءاً من نظام اجتماعي قمعي ركز على الرقابة في النظافة الشخصية ما قد يكون أدى إلى تجاهل بعض الممارسات الصحية الجيدة خوفاً من الشكوك والملاحقات... وربما يلتقط هذا المقال باحث دراسات عليا في الماجستير أو الدكتوراه فيخبرنا هل هناك دلالة أو ارتباط بين ما حدث في محاكم التفتيش وبين الأوبئة والطاعون والكوليرا...أم أنها خيال الكاتب فقط؟!
عموماً اليوم عزيزي القارئ، يُعتبر العديد من هذه الممارسات التي حث عليها الإسلام جزءاً من العادات الصحية أو الثقافية أو الدينية المحترمة في الكثير من المجتمعات. النظافة الشخصية والنظام الغذائي الصحي الحلال واستخدام العطور كلها عادات مرحّب بها على مستوى العالم كجزء من الحياة الصحية والوعي الثقافي. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.