لم أعرف يوماً ما يعنيه المقام الموسيقي، أو معنى السلّم الموسيقي، فقررت البحث، فوجدت أن المقام الموسيقي هو نظام لحني يُستخدم في الموسيقى العربية والشرقية، ويُعرَّف بأنه مجموعة من الدرجات الموسيقية المرتبة، وفق أبعاد محددة تُكوِّن طابعًا موسيقيًا مميزًا. ويتكون المقام عادةً من سلّم موسيقي يحتوي على 8 درجات، تبدأ من نغمة منخفضة تُسمى «القرار»، وتنتهي بنغمة مرتفعة تُسمى «الجواب»، مكونة المقام الموسيقي. أما السلّم الموسيقي فيقصد به تسلسل النغمات، التي تُحدّد الطابع اللحني للمقام. وهناك الأبعاد الموسيقية، أي المسافات بين النغمات داخل السلّم، وهي التي تمنح المقام طابعه الفريد. ووظيفة المقام أنه يكون الإطار للأداء الموسيقي والغناء، ويحدّد طبيعة اللحن، من فرح، حزن، أو شجن، إلخ، بناءً على الأبعاد والنغمات المستخدمة.
المعنى المرادف للمقام الموسيقي العربي في الإنكليزية هو maqam، وهو مصطلح يُستخدم كما هو دون ترجمة مباشرة، نظرًا لخصوصية وتعقيد نظام المقامات الموسيقية العربية مقارنة بالنظام الغربي. وأحيانًا يُترجم بـmode، للإشارة إلى مفهوم مشابه في الموسيقى الغربية، لكن هذا لا يعكس تمامًا تعقيد المقام العربي، الذي يتضمن أبعادًا فريدة، مثل أرباع النغمات، وأسسًا زخرفية، وانتقالات موسيقية محددة.
هناك عشرات المقامات، لكن أهمها سبعة أساسية: الصبا (ص)، النهاوند (ن)، العجم (ع) وهو أكثرها غنى، البيات (ب)، السيكا (س)، الحجاز (ح)، والراست (ر). وهناك مقام الكرد (ك)، وله وضع خاص. كما أن هناك مقامات فرعية كثيرة تتفرّع من الأساسية. فمن الراست يتفرّع نحو خمسين مقاماً، ولكل مقام خصائصه الفريدة، ويبدأ بدرجة محددة من درجات السلّم الموسيقي، ويلعب دورًا مهمًا في التأثير في معاني الأغاني وإيصال المشاعر للمستمع، وتعمل كلوحة تثير الأشجان والأفراح، وتوقظ المشاعر وتسترجع الذكريات، وهذا يعزّز المعاني والرسائل التي تحملها كلمات الأغنية. والمقامات مرآة ثقافية واجتماعية، تعكس اتجاهات الشعوب الفكرية وميولها، وبالتالي، فإن اختيار المقام المناسب يسهم في تعميق هذا الانعكاس، ويؤكد المعاني المرادة، ويعمل جنبًا إلى جنب مع كلمات الأغنية لخلق تجربة صوتية وعاطفية متكاملة، مما يعزّز المعاني، ويجعلها أكثر تأثيرًا وعمقًا في نفس المستمع.
* * *
من أجمل الألحان التي وضعت على مقام نهاوند أغنية «يا مسافر وحدك وفايتني» لمحمد عبدالوهاب، وأغنية «أعطني الناي» لفيروز، وأغنية «افرح يا قلبي» لأم كلثوم، و«البنت الشلبية» لفيروز أيضاً، وتقول كلماتها:
البنت الشلبية، عيونها لوزية
بحبك من قلبي - يا قلبي - إنتِ عينيَّ
حد القناطرْ، محبوبي ناطرْ
كسر الخواطر - يا ولفي - ما هان عليَّ
بتطلْ، بتلوحْ، والقلب مجروحْ
وأيام عالبال بتعن وتروح
تحتِ الرمانة حُبي حكاني
سمعني غناني - يا عيوني - وتغزل فيَّ.
***
كلمات الأغنية بسيطة، لكن لحنها أكثر من رائع، أبقاها حية لسبعين عاماً، عندما غنتها فيروز وهي في العشرينيات من عمرها، مما أساهم في شهرتها.
الطريف في هذه الأغنية ما يتعلق بالجدل الذي دار طويلاً حول من لحّنها أصلاً، حيث قال الرحابنة إنه من أصل حلبي، بينما توجد تسجيلات قديمة للحن نفسه من أغنية هندية تعود لأكثر من سبعين عاماً. ويعتقد آخرون أن اللحن قد يكون من وضع الموسيقار العراقي عثمان الموصلي.
انتشرت نسخ من لحن الأغنية نفسه باللغتين الإيرانية والتركية، وفي الدول العديدة التي تنطق بلغتيهما، في آسيا بالذات.
أحمد الصراف