محمد الرميحي
في مقابلة مطولة لآخر رئيس وزراء في سوريا في العهد السابق، محمد غازي الجلالي ـ يكشف الكثير من أسرار الدولة السورية البعثية، والتي دامت أكثر من نصف قرن، هو آخر رئيس وزراء، وربما أقصر وزارة شكلت ولم تدم الا بضعة أشهر.
القصة هي أن محمد غازي الجلالي قال شيئاً لافتاً في تلك المقابلة المنشورة، قال: «يفوض الرئيس، رئيس الوزراء باختيار وزرائه، إلا أربعة، الأول وزير الدفاع، ذلك مفهوم، والثاني وزير الداخلية، أيضاً يمكن فهمه، والثالث وزير الخارجية وأيضاً يمكن استيعاب أسباب ذلك، أما الرابع، وربما ما يستغرب له، هو إصرار الرئيس أن يختار وزير الأوقاف بنفسه في كل التشكيلات!».
لعلها ظاهرة تستحق التوقف عندها، فوزير الأوقاف هو القائم على الدعوة الدينية، وبالتالي فإن إقناع الناس من منطلق ديني بما يجري، وما يقوم به النظام من أفعال، حتى لو شتت شعبه في الآفاق.
وبالعودة إلى ما نشر من تصريحات لوزراء أوقاف سوريين، ومسيرة الفتوى في سوريا نجد ما يلفت.
فقد أصدر بشار الأسد مرسوماً دينياً يحمل رقم 16 في 20 سبتمبر 2018 يعمل على تنظيم وزارة الأوقاف، ويتضمن بنوداً تجعل مرجعية الإفتاء مرتبطة حصرياً بوزارة الأوقاف، على عكس ما كان سائداً، حيث كان المفتي العام يعين بمرسوم. السبب الذي تبين لاحقاً، أن المفتي وقتها كان ذا منحى استقلالي نسبياً عن النظام.
أما ما سار عليه وزراء الأوقاف في سوريا من تبرير ما هو قائم من سياسات فله العجب، ففي تصريح وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد، نشرته الوكالة الرسمية في مايو 2020 بعد أن أصدر الأسد مرسوم عفو عن بعض المسلحين الذين سلموا سلاحهم، أنه «لا يصدر إلا من قائد مؤمن ومنتصر متأسياً بنبيه» (متأسياً أي محتذياً سيرة الرسول!)، أذيعت تلك الفتوى في جميع صلوات الجمعة في الجمهورية السورية (آخر مايو 2020)، وفي تصريح آخر في مؤتمر عن صيانة الأسرة السورية، يقول عبد الستار السيد: «الأسرة هي اللبنة الأساسية،
ونحن نحاول تحصين الأسرة السورية، وفق منهج الرئيس بشار الأسد لمواجهة الليبرالية الحديثة»! العجب في مجتمع إسلامي مترسخ، يتحدث عن منهج جديد (منهج بشار الأسد)! وملايين السورين مشتتون في أصقاع العالم!
الشيخ البوطي وهو أحد مشايخ الأسد، يصف المتظاهرين ضد النظام بـ «أن جباههم لا تعرف السجود» و«أن جنود الأسد في مرتبة صحابة النبي الكريم»! بعض مشايخ السلطة ذهب تقريباً إلى تقديس الرئيس!!
كل ذاك في خانة (الشعوذة الدينية) الداعية لترسخ نظام قمعي بالغ القسوة على شعبه، باستخدام مفاهيم دينية قد يتقبلها العامة، بسبب ضعف القدرة على فهم صحيح دينهم، لذلك نجد جماعات تسير وراء (فقهاء) يضلون الناس. وبسبب ذلك التقديس المبالغ فيه، ذهب أغلب الجمهور السوري إلى بناء سرديته المضادة، من هنا فإن الحاجة بشكل عام إلى تعليم ديني نوعي، يغرف من أصول حضارية متميزة، للوقوف أمام تلك الشعوذة، وأيضاً بشكل أخص إلى تفادي النظام الجديد في سوريا الخطأ الفادح الذي وقع فيه النظام السابق، في خلط الدين بالسياسة، التي ما تبناها نظام سياسي إلا اضطرب، فلن تخدم التنمية ولا التحديث، وتؤدي كما حدث إلى التهلكة.
وقد يفهم من السياق السابق، الإجابة عن السؤال لماذا رابعهم؟.