العنوان الأهمّ لهذا العام الجديد في الشرق الأوسط هو ما يُمكن أن تتطوّر إليه سوريا سياسياً. الوقت مبكر لقراءة دقيقة للمشهد لاستخلاص نتائج شبه نهائية. وبالتالي، تُكتب هذه الملاحظات العشر، تحت سقف "صديقك من صدقك". أساس هذه الملاحظات ما صرّح به أحمد الشرع في لقائه مع تلفزيون "العربية"، إضافة إلى بعض التصرّفات التي تأتي من دمشق. معظم المراقبين هم في حالة "رجاء التقدّم من دون تجاهل المخاطر"، فالخطر من استنساخ الدولة السودانية (تحت البشير)، أو الحالة الليبية، أو الحالة العراقية قائم، إلا إذا تمّ تشخيص الحالة السورية بدقّة، ثم وصف الدواء اللازم... فسوريا في حالة ولادة. الملاحظات في المدة القصيرة تختصر في الآتي: أولاً: إنّ ما مرّ على السوريين من جراء الحكم السابق شيء لا يوصف، وجرح سوف يبقى طويلاً في ذاكرة أجيال منهم ومن العرب. إدانته بكلّ العبارات لا تفي بشرح ما قام به من فظائع. لقد شتّت جمعهم، واحتقر إنسانيتهم، وتحوّلت الدولة إلى عصابة، ورُهنت سوريا إلى قوى من خارجها. ثانياً: كان من متطلّبات الإطاحة بهذا النظام الشرير أن تنمو "عصبية" متوافقة في ما بينها، ولم يكن ذلك ليتحقق من خلال جماعات المعارضة التي تكاثرت في العقد الأخير، على حسن نيتها؛ فقد تشرذمت إلى منصّات، موسكو، والقاهرة وغيرها. تلك المنصّات لم تكن تربطها "عصبية" واحدة بل خلاف في التفاصيل، أقعد الكل عن الإنجاز. ثالثاً: أما وقد وصلت عصبية محدودة، ومترابطة، يمكن تسميتها جدلاً "الإسلام الحركي" فأزاحت تلك العصابة، وتم الترحيب بها على نطاق واسع، في الداخل السوري وفي الإقليم والعالم، إلا أنها إن بقيت في "شرنقتها"، فقد تحمل بذور شقاق آتٍ، بعد انتهاء شهر العسل، الذي قد يطول، وقد يقصر. تلك العصبية هي عصبية جماعة، ولكنّها دون الدولة. رابعاً: تَحوُّل تلك العصبية أو الجماعة من حالتها الثورية المغلقة على نفسها إلى الدولة هو التحدّي الأكبر، الذي يواجه سوريا اليوم. في تصريح لأحمد الشرع، قال إنهم "نواة متّسقة في ما بينها، يحتاجها الظرف الحالي"، تبيّن لاحقاً أن ذلك الانسجام غير موجود نسبياً، بدليل تصريحات عائشة الدبس بشأن المرأة ، خاصة إذا كان ذلك القول إقصائيّاً كما في حال المرأة السورية، التي قطعت شوطاً كبيراً في التحضّر، وهي أيضاً نصف المجتمع. خامساً: كتابة دستور لسوريا لا يحتاج إلى ذلك الزمن الطويل (ثلاث سنوات كما قيل). سنة أو سنة ونصف السنة تكفي، إذ إن أهل القانون الدستوري متوافرون بكثرة في المجتمع السوري والعربي والعالمي، وكثيراً من النصوص الدستورية متشابهة، فهي قواعد عامة، يمكن الاتفاق عليها في زمن أقصر، مع ملاءمة النصوص للواقع الاجتماعي، السياسي والحضاري السائد، وذاك ممكن من خلال مجموعة من الخبراء والسياسيين، وهم متوافرون. سادساً: الخطر على الثورة السورية يأتي من مكانين: المزايدة، أي الطلب من القائمين عليها أن تنفذ كلّ المطالب في وقت واحد، وبشكل مثالي. والمكان الثاني الاستعداد لاختطافها كلياً من الإسلام الحركي... وفي كلا المكانين ثمّة مخاطرة بالذهاب باتجاههما. وإذا كان بالإمكان تجاوز الخطر الأول بوضع خريطة طريق للمستقبل المنظور، فإن الخطر الثاني هو الأكثر شراسة، إذ يرغب الداعون إليه باستبدال الشمولية السابقة بشمولية مضادة، وإحلال قمع مكان قمع جديد، مما يعيد المجتمع السوري إلى نقطة الصفر. وكمثال فقط: تغيير المناهج؛ فلو تغيّرت بإزاحة أفكار النظام السابق لكان مقبولاً، أما فرض نوع من المصطلحات تنفر الشريك في الوطن، فإنها عاجلة وغير مستحقّة. سابعاً: العدو الأكبر للنظام السوري الجديد هو "الساعة التي يلبسها أحمد الشرع"، والساعة هنا رمزية، أي إما البطء في اتخاذ القرار، وإما الإسراع فيه، في سبيل الانتقال من مرحلة إلى مرحلة سياسية. ذلك البطء أو الاستعجال هو الذي أدى إلى فشل الكثير من التجارب الأخيرة في منطقتنا. والنصيحة أن ينظر الشرع ورفاقه إلى الساعة بدقة، فالتوقيت الصحيح لخريطة الطريق هو المخرج إلى فضاء سوريّ صحيّ ومنسجم مع مطالب أكثرية الشعوب، في سوريا والمنطقة والعالم، بلمّ شمل الأطياف السورية. ثامناً: من الأخبار المثيرة أن هناك مجموعة من العسكريين غير السوريين قد ألحقوا بنواة الجيش السوري الجديد. إن صحت تلك الأخبار، فإنها ليست مثيرة وحسب، بل ومخيفة، ولا تدلّ على عدم ضبط السّاعة وحسب، بل على عدم ضبط البوصلة. تاسعاً: ما يواجه المجموعة السورية الجديدة ليس هيّناً ولا يسيراً. هم يحتاجون إلى كل الدعم من أهل الإقليم وأهل الاعتدال. وبصراحة، ومن دون مجاملة أو حتى ديبلوماسية، فأيّ انتكاسة -لا سمح الله- سوف تدخل الإقليم في توهان جديد، يبقى لعقود طويلة، وتنزف منه المنطقة بكاملها. عاشراً: زيارة ممثلي مجلس التعاون الأخيرة، برئاسة رئيس الدورة الحالية الكويت، ممثلة بوزير خارجيتها، مع الأمين العام لمجلس التعاون، لدمشق، هي زيارة الخليج كلّه، أي الدول الستّ المشاركة في المجلس، مثلما هي زيارة وزير الخارجية السوري للمملكة العربية السعودية، مؤشر إيجابي، وقد تدفقت المساعدات بعد تلك الزيارات مباشرة. ولهذه الدول من الخبرات، إلى جانب الخبرات السورية الداخلية وفي الخارج، ما يمكن من تعويم الدولة السورية المرتجاة بسلام، كي تصبح دولة وطنية تقوم على قواعد قانونية ودستورية صارمة، تكفل الأمن والعدالة لجميع المكوّنات السورية. مع كل ما تقدم، فإنه من الخطأ الفادح تجاهل قدرة الدولة العميقة السابقة على الإخلال بالأمن. الدرع الواقية هي أمل الشعب بفجر جديد، بعيداً من الاستحواذ، يقوده فعل على الأرض دون إبطاء.
سوريا الجديدة... هل هي عصية على الولادة؟
مواضيع ذات صلة