عماد الدين حسين
ما هو أخطر ما يواجه سوريا في الفترة المقبلة؟
قد يرى الكثيرون أن الإجابة هي إسرائيل، وهي إجابة ليست بعيدة عن الصواب، لكن هناك وجهة نظر مهمة جداً ينبغي ألا تغيب عن أذهان كثيرين، وهي أن التنظيمات والمنظمات والميليشيات، التي اتفقت على هدف واحد هو إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، قد تدخل في صراع دموي على السلطة.
أنصار وجهة النظر هذه يرون أنه إذا كانت الحرب على الأسد قد انتهت فإن الحرب على السلطة قد بدأت.
البعض يقول إن الإدارة الجديدة في سوريا بعثت برسائل تطمين كثيرة في كل الاتجاهات، لكن البعض الآخر يقول إن الكلمات والتصريحات والوعود قد تكون مهمة ومطلوبة، لكن الأكثر أهمية هو الأفعال علي الأرض.
وإذا كنا نتحدث عن أرض الواقع فهناك أهمية لقراءة وفهم ما هو منسوب إلى إعلان «الجبهة الشامية» يوم الثلاثاء من العام الماضي الموافق «17 ديسمبر» رفضها دعوة أحمد الشرع، قائد الإدارة السورية الجديدة لحل التنظيمات المسلحة، وتسليم السلاح.
والجبهة الشامية هي اتحاد بين كبرى الفصائل المسلحة في شمال سوريا، ولديها آلاف المسلحين.
هذه الجبهة كانت أحد المساهمين بشكل فعال في إسقاط النظام السابق، من خلال سيطرتها على حلب، وأعلنت بوضوح أنها لن تحل نفسها، ولن تتنازل عن سلاحها ومناطق سيطرتها تحت أي ظرف وأى تسمية، وأن ما حدث في دمشق هو انقلاب عسكري وانفراد بالسلطة من قبل مجموعة لا تزال مصنفة بأنها إرهابية.
إذا صح هذا البيان وبيانات من منظمات أخرى يُكشف الخطر الذي يمكن أن يتهدد سوريا في المستقبل القريب.
هناك أيضاً التقارير عن بدء بعض القوى المحسوبة على النظام السابق في مواجهة الإدارة الجديدة عسكرياً، بل وسقوط قتلى وجرحى في مواجهات جرت في اللاذقية ومناطق أخرى.
السؤال: ما هي احتمالات نشوب صراعات ومعارك بين الفصائل السورية التي شكلت القوة الأساسية التي أطاحت نظام الأسد؟
في تقديري أنه وفي مثل هذه النوعية من التغيرات العنيفة فإنه عندما يتحقق الهدف الجوهري لهذه التنظيمات المتحالفة، وتُسقط الخصم الأساسي لها، فإنها تبدأ في البحث عن المغانم، وكل فصيل يعتقد أنه الأكثر تضحية، ويستحق أن يحصل على ما يراه نصيباً عادلاً من كعكة السلطة.
النموذج السوري ليس استثناء مما حدث في دول كثيرة،
فالتنظيمات والميليشيات المسلحة موجودة منذ بدء الصدام مع النظام السابق في مارس 2011، أي 13 عاماً، تعود فيها مقاتلو هذه التنظيمات على أن يكونوا ميليشيا وليس جيشاً وطنياً، فهم لا يتقيدون بالقواعد العسكرية، التي تحكم الجيوش النظامية، خصوصاً في الضبط والربط ومدونات السلوك وقواعد الاشتباك.
ولاء الأفراد في أغلبية هذه التنظيمات يكون لزعماء وقادة ورموز هذه التنظيمات، وليس للعلم الوطني أو الدولة، وبالتالي فهم لا يفضلون كثيراً التقيد بكل قواعد الجيوش الوطنية، سواء من ناحية الانضباط أو الحصول على الأموال والمنافع الكيرة بحكم امتلاكهم السلاح.
والعامل الآخر هو خطورة وجود قادة في الجيش الجديد ليسوا من أبناء الشعب السوري.
نتيجة لهذا الأمر تبدأ الخلافات البسيطة، ثم تكبر وتتطور، ولا يجد أصحابها سوى السلاح لحسمها.
هذا الأمر حدث في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي عام 2011، وتكرر في كل دولة ظهرت بها ميليشيات وفصائل.
والمشكلة أنه حتى لو تحلت بعض الفصائل والميليشيات بالحكمة والتروي فإن بعض الأطراف الخارجية ستحاول تزكية الخلافات بينها، حتى تضمن لنفسها أدواراً مستمرة. خصوصاً إسرائيل التي تدعى أنها ستحمى الأقليات في سوريا، في حين أنها احتلت المنطقة العازلة بين البلدين ومناطق أخرى، بعد أن قامت بتدمير معظم القدرات العسكرية للجيش السوري من مقاتلات وصواريخ ومستودعات وسفن بحرية وموانئ ومطارات.
حينما فعلت إسرائيل ذلك فهي كانت تهيئ التربة الخصبة للانفجار القادم، ومما يزيد من عوامل القلق الحديث عن حل الجيش السوري النظامي.
أي عربي عاقل يتمنى السلامة للشعب السوري، الذي عانى لسنوات طويلة، لأن انفجار أي صراعات داخلية بين الفصائل والميليشيات المختلفة داخل سوريا سيعني انعدام الأمن لسنوات طويلة، والأخطر أن حدوث ذلك لن يكون مقصوراً على سوريا وحدها، بل قابل للتمدد في دول أخرى بالمنطقة.