محمد سليمان العنقري
عمق السوق المالي الحقيقي هو السيولة، ولذلك أُطلق المثل الشعبي «جود السوق ولا جود البضاعة»، فبدون حجم سيولة يتناسب مع مستوى القيمة السوقية بسوق الأسهم، وتنوع الفرص فيه وحجم الاقتصاد، فإن الجاذبية تنخفض. فتراجع السيولة لمستوى متدنٍ يبعد المتداولين عامةً عن زيادة مراكزهم بالسوق، ويصبح تراكم السيولة الخاملة هو المسيطر التي تتمركز لسنوات طويلة بهامش حركة محدود جداً، فمن أهم عوامل جاذبية أسواق المال بالعالم وما يعتبر الميزة الأبرز التي تنفرد بها هو عامل سرعة التخارج عند الحاجة، بعكس أي سوق بمجالات أخرى، فهو سوق يمكن لأي مستثمر مهما بلغ حجم رأسماله أن يتداول فيه بعكس السوق العقاري الذي يحتاج لرأسمال مرتفع والصبر لفترات طويلة لتحقيق أهداف الفرص الاستثمارية لاختلاف طبيعته عن السوق المالي الأكثر حركة، وفيه مؤشرات تقيس الأداء لحظياً وهو ما لا يتوافر بمجالات أو قطاعات موازية له في استقطاب السيولة.
وفي الأيام الأخيرة لوحظ تراجع سيولة سوق الأسهم السعودي لمستويات لم يزرها منذ سنوات، على الرغم من أن الفترة الحالية يزداد نشاط السوق فيها عادة، وهي فترة نهاية العام إضافة إلى أن المحفزات بالسوق تتركز بشكل كبير خلال نهاية العام من الإعلان عن توزيعات الأرباح من قبل الشركات، وأيضاً التوقعات بتحقيق نتائج العام التي تتباين بين قطاع وآخر، ولكن يكون تحرك السيولة كبيراً وحجم التداول مرتفعاً بما أن المستثمرين أصبح لديهم تصور عن النتائج المتوقعة، بعد أن ظهرت أرقام آخر ثلاثة فصول من السنة المالية، بينما يكون تركيزهم أيضاً على المستقبل القريب، بعد أن يتم تحليل العديد من العوامل التي ستكون مؤثرة في العام التالي ومن أهمها الميزانية العامة للدولة التي ظهرت بأرقام كبيرة ومستهدفات مهمة داعمة لتحقيق نمو اقتصادي كبير سيصل إلى 4،6 بالمائة تقريباً، بالإضافة لحجم المشاريع الضخم المتوقع إنشاؤها واستكمالها.
لماذا؟ هو سؤال يوجد عشرات الإجابات له عن أسباب انخفاض مستوى السيولة بالسوق الأكبر شرق أوسطياً الذي يصل حجم قيمته نحو ثلاثة تريليونات دولار أو ما يزيد على عشرة تريليونات ريال، ومن غير المنطقي أن تكون سيولته اليومية بحدود 800 مليون دولار أو نحو ثلاثة مليارات ريال، أي أن المستوى يعتبر استثنائياً لا يعبر عن تنوع الفرص بالسوق وقوة الاقتصاد السعودي، وهو ما يحتاج لدراسة الأسباب ومعالجتها من الجهات المعنية، وأولها شركة تداول التي تدير السوق المالية خصوصاً أننا أمام فترة ذهبية للاقتصاد الوطني من حيث مستهدفات النمو وتوزع المشاريع على مستوى المملكة، إضافة لحجم التحالفات والشراكات الضخمة دولياً التي تجذب استثمارات كبيرة للاقتصاد بمجالات عديدة جميعها ينعكس أثرها بالسوق المالي من خلال تعدد القطاعات ووجود أهم الشركات العاملة بالاقتصاد في السوق.