: آخر تحديث

سوريا كما يريدها السوريون

2
2
2

خالد بن حمد المالك

أصبحت سوريا الشغل الشاغل لدول العالم، وتحديداً لأمريكا ودول أوروبا وتركيا، وإيران دون تأثير للأخيرة بعد سقوط بشار الأسد ونظامه، فكل من هذه الدول تغنّي على مصالحها، وتتحدث عن أهدافها، وإن ألبستها الادعاء بالحرص على سوريا، والرغبة في أن ترى سوريا دولة لكل السوريين، بعد أكثر من نصف قرن من القهر والاستبداد ونظام حكم مارس أقسى ما مرَّ على سوريا في تاريخها من الجرائم بما لا مثيل له في أي دولة أخرى.

* *

هذا التنافس على التقرّب -وإن بحذر- مع النظام الجديد، لا يُظهر أن هذه الدول حريصة على تعافي سوريا، بتحسين الأمن والاستقرار فيها، وعودة المهجّرين، وإشراك كل مكونات الشعب في إدارة الدولة، والتخلّص من آثار الحكم الأسدي بكل جرائمه، وصولاً إلى بناء ما هدمته الحروب، ومعالجة الوضع الاقتصادي المتردي، وإنما هو من باب التدخل في مواجهة التغيير المنتظر مع النظام الجديد.

* *

إن أخطر ما سوف يواجهه النظام الجديد من تحديات هو فيما لو جنب بعض الفئات من المشاركة في العمل المستقبلي في إدارة الدولة، وسمح للقوى الأجنبية بالتدخل في الشؤون الداخلية مثلما كان يفعل بشار الأسد بحجة الدفاع عن سوريا، بينما كان التواجد الأجنبي من أجل الدفاع عن شخص بشار ونظامه.

* *

وأكثر ما يُنتظر من النظام الجديد تحقيقه أن يقوم ودون تأخير بالتخلّص من القوات والميليشيات الأجنبية، التي عبثت بمصالح الشعب، وآذت فئات منه، وكان همها أن تضع سوريا على نحو ما كانت عليه على مدى 14 عاماً من حكم بشار الأسد، حيث انهيار الدولة، وتقاسم النفوذ فيها بين روسيا وأمريكا وتركيا وإيران وميليشيات حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، وعناصر أجنبية أخرى.

* *

وأمام النظام الجديد تحديات أخرى كثيرة أبرزها بناء المؤسسات من جديد، وإنشاء جيش يكون ولاؤه للدولة، وإنهاء التنظيمات المسلحة ودمجها بالجيش الوطني، وقصر السلاح على الجيش وقوى الأمن، وفتح صفحة جديدة مع الدول العربية التي أفسد بشار الأسد علاقات سوريا بها، معتمداً على إيران وأذرعتها وعلى روسيا في الإبقاء على نظامه.

* *

وفي هذه المرحلة التي تمر بها سوريا، على النظام الجديد أن يكشف عن هويته وسياساته وتوجهاته ونوع علاقاته مع العالم، وما ينوي أن يحدثه من تغيير في الداخل، بتفاصيل عن الدستور الجديد، وطبيعة الانتخابات، وبناء المؤسسات والجيش، وما إلى ذلك مما يشجع على الاعتراف بالنظام الجديد والتعاون معه عربياً ودولياً.

* *

ولأن سوريا عانت من نظام فاسد ما جعلها شكل دولة وليست بدولة أمنياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، فهي كذلك تحتاج إلى مساعدات لإعادة بنائها وتنظيمها دون ربطها بمصالح للمانحين أياً كانوا، أخذاً بمبدأ استقلالها ووحدة أراضيها، وأن يتزامن ذلك مع إنهاء الوجود الأجنبي في الأراضي السورية، مع أن هذا النوع من التحديات يلزمه التعاون بين كل السوريين، لأنه بدون ذلك لن يكون التخلّص من بشار الأسد ونظامه كافيا لعودة سوريا مهابة وقوية ومستقرة وتنعم باقتصاد قوي يحفّز المهاجرين إلى العودة للمشاركة في بناء سوريا مع إخوانهم المقيمين في الداخل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد