: آخر تحديث

أنا وكل ما أملك

5
4
4

ليلى أمين السيف

يقال أن أعرابية كانت تداعب ابنها الصغير وتنشد:

ياحبذا ريح الولد

ريح الخزامى في البلد

أهكذا كل ولد

أم لم يلد مثلي أحد!!

في زوايا منازلنا، تنبض الحياة بحكاياتها التي تتداخل بين ضحكات مرحة ودموع هادئة، بين لحظات الفرح والانتظار، والحزن والأمل. كل زاوية تحمل في طياتها ذكرى، وكل ركن يحتفظ بأصداء حوار أو موقف. وبلا شك، لكل منا حكايات لا تحصى مع أبنائه، لحظات من الفوضى الجميلة والدهشة التي تملأ القلوب، فنكتشف في كل موقف درسًا، وفي كل ضحكة حياة جديدة.

و قبل كذا يوم سألتني إبنتي عن بعض هذه المواقف وعما كان يميز كل منهم فحاولت أن أعصر ذاكرتي فكانت هذه المواقف فقلت لإبنتي الصغرى منبهة لها أن تحتفظ بذكرياتها وأبنائها مكتوبة فقد تعطب الذاكرة وتشيخ.

في أحد الأيام، استأتُ بسبب هدية أحضرها لي زوجي. كان يعتقد أنه اختار شيئًا مميزًا، لكنني كنت أرى الأمر على نحو آخر. هديته لم تعجبني، وكانت كأنها تحصيل حاصل. شعرت بالحزن لأن ذوقه لم يتوافق مع توقعاتي.

عندها، أقبلت ابنتي الكبرى ذات الأربعة أعوام، و نظرت إليّ بعينين لامعتين ذكيتين واحتضنتني واردفت بكلامها البسيط:

«ماما، لا تحزني. لا تقولي ولا شيء. قولي له شكرًا، وخليه ينبسط. وانبسطي أنت كمان

وقالتها «كمان» بصوت ممطوووط

وكأنها تضع خطة محكمة لتجنب العائلة أي توتر. فاجأتني بذكائها، فقد كانت حكيمة أكثر مما توقعت حين اكملت:

«ماما بكرة قولي له أنه الهدية ماعجبتك. بكرة يا ماما مش اليوم.بس لازم تشرحي له ليش»

هذه المفعوصة الصغيرة كانت تعرف كيف تستغل المواقف! كلما تزاعلنا أنا و أبيها، كنت أذهب بهم إلى السوق لأرفه عن نفسي وأنسى الزعل، وكنت أسمح لهم بشراء الآيس كريم والفطائر بالقرفة وكل أنواع المغريات بالكميات التي يريدونها على غير العادة. وفي لحظة استغلال منها، ترفع كفيها و تدعو:

«يا رب تزعلوا أنتِ وبابا على طول! لما تتصالحوا تنسونا «!

وفجأة، بدلاً من ملعقة آيس كريم صغيرة، يخرجون من المحل محملين بكل ما لذ وطاب، وكأنهم فازوا بجائزة كبرى!!

أما الحكيمة الصغيرة فقد أرشدتني حين أختلفت ذات يوم مع والدها، وكانت لاتتجاوز الخامسة من عمرها بقولها: «قولي له طيب، حاضر، مرحبا! واعملي اللي نفسك فيه»

وكأني بها تملك وصفة سحرية لتخفيف حدة المواقف. لكنها لم تكن تدرك أني في بعض الأحيان، أحتاج إلى أن أكون صريحة! لكن طريقتها كانت بلسما وريحت لي دماغي.

وكنت فيما مضى أغار بصمت، لكن كالعادة، وجهي كان يسرب أسراري أسرع من إناء مكسور.

في أحد الأيام كنا جميعًا نشاهد التلفاز، وظهرت مطربة تغني بعذوبة وتتمايل بخفة وكأنها تتحداني. وبينما أنا أحاول التظاهر بعدم الاهتمام، جاءت العبقرية الحكيمة، احتضنتني وقالت بكل براءة: «ماما، ترى بابا يحب أغانيها بس.. لكن يحبك أنت»

طبعًا، ما أنسى أبدًا أن أعظم القرارات التي غيرت حياتي كانت بتوجيهات مستشاري الشخصي وهي في الصف الأول الإبتدائي.

أما ابني الوحيد، فهو «مطنش» محترف من الدرجة الأولى! يراقب الموقف عن كثب، ثم يقول بابتسامة ساحرة: «أنت صح». لم يقل «لا» أبدا.

هو دايمًا يلجأ لـ«إن شاء الله»

وكأنها الكلمة السحرية لحل كل شيء. وعندما يسألونه عن رأيه، يرد بذكاء: «طيب، إنت إيش رأيك؟» وبكل براعة يوافق السائل على رأيه، فهو يؤمن بشعار: «لا ترهق نفسك بالجدال، طنش تعش تنتعش»!

وريثما الأوضاع تهدأ، يضيف بنبرة ساخرة: «أنا ما لي أقنع الناس، ولا أوزع عليهم آرائي، كل واحد عقله في راسه يعرف خلاصه! بتخسري الناس ياأمي.. عديها لمن تحبي عشان ماتخسريهم و طنشي الباقيين عشان ترتاحي وتريحي»

في تلك اللحظة، قلت له: «صدق جدك لما سماك الفارس، يا هاكونا متاتا فهو كان يحب تلك المفردة العبقرية.

أخيراً

لصفي الدين شعرا يلامس شغاف القلب حبا وحنانا وفخرا ونسأل الله أن يجعل أبناءكم سارين صغارا بارين كبارا.

هُنّيتَ بِالوَلَدِ السَعيدِ فَقَد أَتى

وَفقَ المُرادِ وَأَنتَ وَفقُ مُرادِه

فَاللَهِ يُبقيهِ وَيُبقيكُم لَهُ

حَتّى تَرى الأَولادَ مِن أَولادِه

** **

- كاتبة يمنية مقيمة في السويد


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.