موسى بهبهاني
دولة الكويت جُبلت على حب العمل الخيري وتقديم المساعدات لكل محتاجي دول العالم دون تمايز في الدين، المذهب، الطائفة، العِرق أو اللون، بل تقديم المساعدة لكل إنسان بحاجة إليها. منذ القدم وقبل اكتشاف النفط كان الكويتيون يبذلون العطاء بما تجود به أنفسهم وعلى قدر إمكاناتهم، ولهم وقفات مشهودة عبر السنين سواءً داخل الكويت أو خارجها، ويذكر التاريخ بأن الرجال والنساء ساهموا لتقديم المساعدات لإخوتنا في فلسطين إبان احتلالها من قبل الصهاينة، شارك الرجال بمساهمات مالية كل على مقدرته والنساء ساهمن بحُلي الذهب الخاصة بمُهورهن لمساندة الشعب الفلسطيني.
وبالطبع، تطور العمل بجمعيات النفع العام والمبرات لاحقاً بحيث أشهرت مؤسسات خيرية ومبرات أهلية عدة لتقدم المساعدات من أجل المستضعفين والمنكوبين واليتامى والمحتاجين في جميع أقطار العالم.
وعد المولى عز وجل كل مَنْ يُساهم بالبذل والإنفاق في سبيل الله بأن لهم أجراً عظيماً.
«مثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ».
وسنذكر اليوم إحدى الشخصيات الخيرية البارزة من رجال الأعمال المحسنين في الكويت.
الوجيه الفاضل / إبراهيم طاهر البغلي، حفظه الله.
تلك الشخصية الفذة المميزة، جُمعت فيه الخصال الحميدة، ويُعرف عنه بأنه صادق في حديثه، طيب القلب، يبذل العطاء بهدف تقديم الخدمات الاجتماعية لمستحقيها بلا أجر مادي بالرغم مما يبذله من جهد ووقت على حساب حياته الخاصة.
تقلّد (البغلي) مناصب عدة، منها كان مديراً للمتاحف ثم كرّمته الدولة بأن نال منصب سفير النوايا الحسنة، لكنه أخذ على عاتقه العمل التطوعي الخيري بدءاً بإشهار مبرة - الابن البار - انطلاقاً من أهمية العلاقة الأسرية، التي أُسست بهدف تعزيز قيمة بر الوالدين وتشجيع الأبناء على الاهتمام بالمسنين في المجتمع الكويتي، تحت رعاية هذه المؤسسة تُنظم سنوياً «جائزة الابن البار» التي تُكرم الأفراد الذين أظهروا الوفاء والاحترام لوالديهم أو لكبار السن في أسرهم.
وقد سار في هذا المجال لسنوات عدة ولايزال في تكريم كوكبة من الشخصيات المتفرّدة في المجتمع الكويتي بجميع اطيافه.
ساهم في إطلاق «بطاقة مسن» التي توفّر امتيازات خاصة لكبار السن في الكويت، بما في ذلك تسهيلات في المعاملات الحكومية وأماكن مخصصة لركن السيارات.
تسعى جهوده أيضاً إلى تثقيف الأجيال الشابة بأهمية العمل التطوعي وتعزيز ثقافة الرعاية لكبار السن في المجتمع، حيث يُنظم فعاليات سنوية واحتفالات تكريم لدعم هذه القيم وتشجيع الإبداع والالتزام الاجتماعي بين الشباب.
وافتتح قاعة للاحتفالات بمنطقة الرميثية للمواطنين بالمجان دون مقابل، وأسس مبرة السيدة نفيسة الخيرية.
ثم انتقل إلى قضية مهمة وهي قضية الاحتياجات الخاصة وأراد تكريم فئة تستحق منا جميعا التكريم على مستوى دول الخليج وهي شريحة المكفوفين، فنظّم مسابقة لقراءة القرآن الكريم شملت الدول الخليجية كافة.
وكان الاحتفال الختامي لتكريم المتسابقين فى دولة الكويت تحت رعاية وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية وثلة من القياديين- سفراء الدول المشاركة - جمعيات النفع العام -جمعية المكفوفين الكويتية - جمعيات المكفوفين الخليجية (السعودية - عمان - الإمارات - قطر- البحرين )- الجمعية الوسطية الكويتية - وغيرها.
وقد هالني ما رأيت من تنظيم ورعاية وحضور مختلف رجالات الكويت، واللافت للنظر أن تلاوة القرآن الكريم من قبل المكفوفين كانت قمة بالروعة والروحانية لدرجة أن الحضور كانوا منصتين لهذه التلاوة الجماعية، فساد الصمت المطبق في الصالة، فلا تُسمع إلّا آيات الذكر الحكيم وكأن الملائكة كانت تحلّق بالمكان.
القرآن الكريم أنزله المولى عز وجل، على رسوله محمد، صل الله عليه وآله وسلم، وهو المعجزة التي حفظها الله في قوله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ».
لقد حفظ الله القرآن الكريم من التحريف والتلاعب به فحفظه في قلوب المؤمنين، وحثّ الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، على تعلم القرآن فقال: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرآنَ وَعَلَّمَهُ)..
الرجل المناسب في المكان المناسب:
رئيس جمعية المكفوفين الكويتية الأستاذ / فايز لافي العازمي، شخصية متميزة لإدارة هذا المرفق المهم بالإضافة إلى أنه أحد أعضاء الجمعية من (المكفوفين)، ولذلك فهو يستشعر بكل ما تحتاج إليه هذه الفئة، وهي رسالة إلى كل المسؤولين بأن يتم إسناد المناصب القيادية إلى الرجل المناسب وفي المكان المناسب.
وكذلك حضر أحد المتسابقين من دولة قطر الشقيقة بمعية والدته، وكانت بادرة طيبة من اللجنة المنظمة بدعوتها للصعود إلى المنصة وأخذ شهادة التقدير والتصوير الجماعي مع المتسابقين.
ومن هنا نُحيي الرجل الفاضل / إبراهيم البغلي، الذي قام بتنظيم هذه المسابقة الخليجية الأولى في المنطقة لهذه الفئة (المكفوفين) والذي بذل وبمبادرة شخصية منه كل ما تحتاج إليها هذه المسابقة من أمورٍ مادية واستقبال لضيوف الكويت من الدول الخليجية على نفقته الخاصة، ولكنه مع هذا البذل والعطاء الشخصي منه، آثر بان تكون هذه المسابقة تحت رعاية وإشراف الدولة.
اجْعَلْ فِعْلِ الْخَيْرِ لَك عُنْوَانًا... وَاجْعَلْ مِنْ نَفْسِك لِلرَّاغِبِين فِي فِعْلِ الْخَيْرِ دَلِيلاً
البيت العود:
تميّز المجتمع الكويتي منذ القِدم بالترابط الأُسري حيث كان المنزل الواحد يضم جميع أفراد الأسرة من: الجد - الجدة -الأب - الأم -الإخوة - الأبناء والأحفاد.
لكل من أفراد الأسرة دور، فالرجال عليهم العمل لكسب لقمة العيش، ودور النساء التربية والاهتمام بشؤون المنزل والقرارات ترجع إلى كبير الأُسرة.
ومن هنا كانت الدروس فيجب أن يُعامل كل منهم بما يليق به، فيعطى الصغير حقه من الرفق والرحمة والشفقة عليه، ويُعطى الكبير حقه من الشرف والتوقير والاحترام.
فكان الابن البار نتيجة تلك التربية الأُسرية الصالحة.
تعتبر جائزة البغلي للابن البار من المبادرات الرائدة في الكويت، حيث تُساهم في تعزيز الروابط الأُسرية والاجتماعية، وتشجيع الأفراد على تقديم الرعاية والدعم لكبار السن، ما يعكس قيم المجتمع الكويتي الأصيلة.
اللَّهُمَّ اجْعَل الْقُرآن الْعَظِيم رَبِيعَ قُلُوبِنا...
ختاماً،
هذه الفعالية والمبادرة الكبيرة تستحق منا الشكر والتقدير لمنظميها، لأنها مبادرة متفردة على مستوى الإقليم الخليجي، لذلك كل الشكر والتقدير للوجيه الأستاذ / إبراهيم البغلي، واللجنة المنظمة لهذه الفعالية، سائلين المولى عز وجل بأن تستمر تلك المبادرات المستحقة في بلدنا الحبيب الكويت.
نتمنى من جمعيات النفع الأخرى أن تحذو مثل هذه المبادرات المميزة.
الناسُ للناسِ مِن بدوٍ وحاضِرَةٍ
بَعضٌ لبعضٍ وإنْ لَم يشعروا خَدَمُ
اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.