غسان زقطان
في انعطافة كاملة دفع بنيامين نتنياهو معارضيه إلى خارج السياق، وقدم نصاً جديداً تماماً، لقد استبدل بشعار "الآخرين" المرهق الذي لاحقه منذ ما يقرب من العام شعار "استعادة الرهائن"، الشعار الذي كان يلاحقه في الشوارع وعلى الزاوية قبالة غرفة نومه في "هرتسليا" ومقر إقامة رئيس الوزراء في شارع "بلفور" في القدس، وغرف الأخبار في الفضائيات حيث يواصل جنرالات متقاعدون مثل إسحق بريك تفكيك "إنجازاته" والتشكيك بنياته وكفاءته، والجدول الطويل لبنك الأهداف الذي جمعه لابيد وغانتس وأيزنكوف وليبرمان لإسقاط حكومته، استبدل بكل ذلك نقل ثقل الحرب إلى الشمال تحت شعار وطني مؤثر "إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم". انتقل من الوقوف بلا دفاع حقيقي وبلا إنجازات واضحة ولائحة طويلة من الاتهامات والتشكيك حول تقويضه اتفاقات "وقف إطلاق نار في غزة" و"تحرير الرهائن" (حوالي 100 من الأحياء والأموات)، إلى الهجوم على لبنان وتجنيد المهجرين من الشمال (حوالي 100 ألف) من مستوطني الخط الحدودي، وجر لابيد وغانتس من ياقاتهم إلى الوقوف خلفه في ما يشبه جوقة مطيعة ومهذبة، وتحقيق ما يشبه الإجماع الوطني حول خطواته، وهو ما انعكس مباشرة على استطلاعات الرأي التي منحته المزيد من المقاعد والثقة.
لم يبدأ الأمر بالهجوم على لبنان، فقد استبق كل هذا بهجوم سياسي داخلي عبر توجيه ضربة مؤثرة إلى "ائتلاف المعارضة" الهش من خلال استدراج شخص ملتبس ومزعج مثل جدعون ساعر، المعارض له والمنشق عن الليكود، إلى مصيدة مغفلين، من خلال عرض وزارة الحرب عليه كبديل لغالانت، كان بحاجة إلى موافقة ساعر لا أكثر، وهو ما حصل عليه قبل أن يلقي الرجل إلى الشارع هو ومقاعده الأربعة التي يملكها حزبه في الكنيست، ألقاه تماماً إلى الشارع خارج الحكومة وخارج المعارضة مجرداً من صدقيته وطموحه، حتى التراجع المعلن المتأخر عن قبوله بالمنصب لم يخرجه من الكمين. لقد ضرب بشدة وسيكون من الصعب عليه ترميم مأساته السياسية، بينما واصل تعليق غالانت من قدميه وتبهيت معارضته وتهميشه وتجريده من صلاحياته وحصانة "وزير الدفاع" المقدسة في إسرائيل. نتنياهو الآن الرجل القوي الوحيد في إسرائيل القادر على توصيل البضاعة، بينما يتعثر لابيد وغانتس وغيرهما خلفه وهم يحاولون التكيف مع القفزة الواسعة التي حققها ومحاولة فهم الجغرافية السياسية الجديدة التي وجدوا أنفسهم فيها، بينما هو، نتنياهو، يعيد جدولة الشعارات المتداولة والممتلئة بفكرة "الاستعادة" ومشتقاتها؛ استعادة الرهائن، عودة المهجرين من الشمال، استعادة الردع...
لقد فتح مروحة واسعة من الأهداف، في ما يشبه هجوماً مضاداً، تبدأ بتفكيك المعارضة الداخلية وإسكات الاحتجاجات بشأن "استعادة الرهائن". الآن لديه شارعه الخاص و"شعار وطني" لا خلاف عليه، وإنجازات في الشمال يمكن الحديث عنها وتسويقها كنوع من "استعادة الردع"، من تفجير أجهزة الاتصال في لبنان بين أيدي عناصر "حزب الله"، وعمليات اغتيال قادته، إلى ضربات سلاح الجو الكثيفة المتلاحقة التي تأخذ شكل استعراض جوي للقوة، إضافة إلى تهديد متصاعد باجتياح بري لجنوب لبنان.
لديه الآن شارع "عودة المهجرين" مقابل شارع "استعادة الرهائن"، ومعارضة مرتبكة، ولديه "حرب" خاصة به ومفاوضات مفتوحة يديرها بلينكن، وأهداف متخيلة جديدة: تقويض قدرات "حزب الله" ودفعه نحو الضفة الشمالية لنهر الليطاني، عودة مهجري الشمال، والأهم فصل جبهة الشمال في لبنان وملحقاتها عن جبهة الجنوب في قطاع غزة*.
هذا ما سيحمله إلى قاعة الأمم المتحدة قبل أن يعيد تحميله في طريقه إلى صبيحة الانتخابات الأميركية حيث ينتظر ترامب.
تحت هذا الضوء ستواصل الحرب عملها، بغض النظر عن الأسماء التي يمكن إطلاقها عليها، وسيكون من المبالغة انتظار نهاية قريبة لهذه الحرب.
* تبدو فكرة فصل الجبهات مثل عرض معاد في صراع المنطقة مع المشروع الصهيوني، ولكن ضمن شروط مختلفة وزمن مختلف، يمكن هنا العودة إلى اتفاقيات الهدنة عام 1949 حين وقعت دول الطوق التي حاربت معاً اتفاقيات منفصلة مع إسرائيل برعاية الأمم المتحدة، مصر/ 24 شباط (فبراير)، لبنان 23/آذار (مارس)، الأردن 3/نيسان (أبريل)، سوريا/20 تموز (يوليو)، كذلك عام 1967، ثم اتفاقيات فض الاشتباك مع مصر وسوريا بعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 التي مهدت لاتفاقيات "كامب ديفيد" مع مصر حيث حدث الإنجاز الأهم في تاريخ الصراع الذي حققه هنري كيسنجر عبر إخراج مصر من معادلة الصراع وتفكيك دول الطوق.