: آخر تحديث

هل ستقضي الترجمة الآلية على الترجمة البشرية؟

6
6
6

عبدالرحمن الحبيب

«لقد كنت مثل.. لا، لقد انتهينا، انتهى البشر في الترجمة» هذا ما قاله فاسكو بيدرو المختص في تكنولوجيا اللغة والرئيس التنفيذي لشركة الترجمة Unbabel عندما أطلع على نتائج مسابقة أجرتها شركته في لشبونة، والتي وضعت أحدث نموذج للذكاء الاصطناعي في مواجهة المترجمين البشر في الشركة.. بيدرو كان سابقاً يُصرّ على أنه رغم تطور الذكاء الاصطناعي، فإن جعل الآلات تترجم اللغات كما يفعل المترجمون البشر المحترفون سيحتاج دائمًا إلى إنسان في الحلقة؛ اما الآن حيث يقدر السيد بيدرو أن العمالة البشرية تمثل حوالي 95 % من صناعة الترجمة العالمية، فإنه يتوقع في السنوات الثلاث المقبلة ستنخفض المشاركة البشرية إلى ما يقرب من الصفر. فهل فعلاً سيتم الاستغناء عن المترجم البشري؟

كانت الترجمة الآلية تعتمد على القواعد ثم تم استبدالها في التسعينات بنهج إحصائي قائم على تحليل مجموعات من البيانات الضخمة بأحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا عندما تم إطلاق ترجمة جوجل عام 2006. إنما المجال انفجر عام 2016، عندما تحولت جوجل إلى محرك «عصبي» وهو نهج قائم على التعلم العميق للترجمة الآلية، والتي يُعتقد أنها تقدم عادةً أفضل نتائج الترجمة الآلية اعتبارًا من عام 2022، ولا تزال تحتاج عادةً إلى التحرير اللاحق بواسطة إنسان.

حالياً أصبحت الترجمة الآلية قادرة على ترجمة النص أو الكلام من لغة إلى أخرى، بما في ذلك الفروق الدقيقة السياقية والاصطلاحية والواقعية لكلتا اللغتين، وصارت موثوقة للغاية ومنتشرة في كل مكان بسرعة كبيرة لدرجة أن العديد من المستخدمين لم يعودوا يفكرون في مدى دقتها، بل أن المتابع الدقيق للترجمات يجد أن هذه الترجمة الآلية تتفوق على كثير من ترجمات البشر المحترفين.

ربما تكون الترجمة الآلية الحالية قد حلت مشكلة الترجمة، لكن لا زال تفسير المعاني، وليس مجرد الكلمات والجمل، مهمة شاقة.. أظهرت الدراسات العديد من المشكلات المتعلقة بأحدث مخرجات الترجمة الآلية المتقدمة، مثل ترجمة الأجزاء الغامضة التي تتطلب ترجمتها الصحيحة معالجة لغوية دلالية أو سياقًا يتماشى مع المنطق العام إضافة للعديد من المشكلات، مثل اللغة العامية والكلام العادي، مما يتطلب بعض مستويات المشاركة البشرية.

عندما أردت أن أعرِّب اسم مستشار الذكاء الاصطناعي (Thibault Carrier) ظهر لي «حاملة ثيبو»، وعندما تريد ترجمة اسم كريم الحبيب ظهرت Dear Cream أو عزيزي كريم.. هذا سيحيلنا إلى مشكلة ترجمة الأسماء سواء أفراد أو منظمات أو شركات أو أماكن التي لها اسم خاص. إنما أهم تحدي في إزالة الغموض عندما يكون للكلمة أكثر من معنى دون أن تتمكن الآلة من التمييز بين المعنيين للكلمة.

واليوم، هناك العديد من الأساليب المصممة للتغلب على هذه المشكلة منها أساليب «سطحية» وأخرى «عميقة»... لا تفترض الأساليب السطحية أي معرفة بالنص، فهي ببساطة تطبق الأساليب الإحصائية على الكلمات المحيطة بالكلمة الغامضة، بينما تقوم الأساليب العميقة على معرفة شاملة بالكلمة، ولكن حتى الآن، كانت الأساليب السطحية أكثر نجاحًا.

لن تكون اللغة الأجنبية مشكلة في السفر، فحالياً هناك تطبيقات الترجمة الآلية لمعظم الأجهزة المحمولة دون الحاجة إلى وساطة مترجم بشري، كما تمكن من التواصل بين المسؤولين في الشركات الذين يتحدثون لغات مختلفة، حيث يمكنها التعرف على الكلام ثم ترجمته.

ماذا عن مستقبل الترجمة الآلية؟ يقول خبير الذكاء الاصطناعي تيبو كاريير: إن مستقبل الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي مثير ومليء بالإمكانيات. ومن أهم التطورات في مجال الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي تطوير أنظمة الترجمة الآلية العصبية. تستخدم هذه الأنظمة خوارزميات التعلم العميق لتحليل وفهم سياق الترجمة، مما قد يحسن دقة وسلاسة الترجمات.

ومن مجالات التطوير الأخرى في الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي دمج تقنية معالجة اللغة الطبيعية. يمكن أن تساعد تقنية معالجة اللغة الطبيعية أدوات الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي على فهم الفروق الدقيقة في اللغة، بما في ذلك التعبيرات الاصطلاحية والمراجع الثقافية.

في المستقبل، قد تتمكن أدوات الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي أيضًا من التعلم والتكيف مع أسلوب الكتابة الخاص بالكتاب الأفراد، مما قد يحسن دقة وتناسق الترجمات.

إن التطورات في الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي تحدث بوتيرة سريعة، ومن التطورات الحديثة استخدام خوارزميات التعلم الآلي لتحسين جودة الترجمات، يمكن لهذه الخوارزميات تحليل كميات كبيرة من البيانات وتحديد الأنماط التي يمكن استخدامها لتحسين دقة وسلاسة الترجمات، ومن التطورات الأخرى في الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي استخدام خدمات الترجمة المستندة إلى السحابة، حيث تتيح هذه الخدمات للمستخدمين الوصول إلى الترجمات من أي مكان، وفي أي وقت، وعلى أي جهاز.

تغير الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي قواعد اللعبة في صناعة الترجمة؛ فهي تعمل على تحسين الكفاءة والدقة والفاعلية من حيث التكلفة، كما أنها تخلق فرصًا جديدة للشركات والأفراد، ورغم أنها ليست بديلاً كاملاً للترجمة البشرية، إلا أن الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي لديها القدرة على إحداث ثورة في الطريقة التي يتواصل بها الناس مع بعضهم البعض. ومع استمرار التقدم في الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي، سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف تتطور هذه التكنولوجيا وتؤثر على صناعة الترجمة في المستقبل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد