: آخر تحديث

عبده خال عاشق الكلمة

13
13
13

أسامة يماني

عندما يكون المرء عاشقاً تهون عليه نفسه في سبيل المعشوق. يخسر ذاته في سبيله ويبذل الغالي والرخيص ليراه في أحسن حال. العاشق يعيش بوجدانه وإحساسه في عالم من أعطاه قلبه وفكره ومشاعره. هكذا عبده خال الذي عشق الكلمة وأخلص لها على الرغْم من قسوتها عليه. قدم لها الكثير من فكره ووقته، حلّق بها من المحلية إلى العالمية. الكلمة في زمن الغفوة تؤدي لغياهب السجن والتنكيل والتكفير والتحقير. مع كل هذه الأخطار والكوارث حمل عبده خال الكلمة بكل أمانة وأداها. الكلمة لم تكن ترسم من قبل عبده خال بمداد حبر من جماد بل كانت ترسم بمداد من دمه النابض بالحياة.

تنقل كاتبنا المبدع في مراحل حياته بين مدن عدة، مما انعكس سلباً على حياته الاجتماعية وصداقته، فقد درس المرحلة الابتدائية في مدرسة «ابن رشد» بمدينة الرياض، حيث قضى فيها زمناً من طفولته، التي كانت حقبة صعبة عاد بعد المرحلة الابتدائية إلى مدينة جُدَّة التي أحبها وأحبته ليدرس المرحلة المتوسطة في مدرسة «البحر الأحمر»، وأتم المرحلة الثانوية في مدرسة «قريش»، ثم حصل على بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة الملك عبدالعزيز.

وبدأ رحلة الكتابة عام ١٩٨٢ حتى وصل للعالمية كروائي وقاص، وأصبح من أبرز كُتَّاب أدب القصة والرواية في المملكة العربية السعودية، وأول سعودي يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، كتب نحو 18 كتاباً ما بين الرواية والقصة والأساطير، وهو كاتب غزير الإنتاج، يكتب منذ 40 عاماً، ونشر أكثر من 10 آلاف مقالة.

الروائي السعودي والكاتب عبده خال مع قسوة الحياة وسطوة المرض لم يتوقف عن الكتابة لأنها معشوقته التي لم تمنحه الرفاهية أو دعة العيش، لكن ذلك لم يحد أو يمنع عطاءه لمعشوقته. لقد قست عليه الكلمة ولم ترعَ له وداً، وكاتبنا مازال ينبض بكلمات تتدفق مع نبضات قلبه المرهق، وتتدفق كلماته في عموده بجريدة عكاظ أو بروايته مثل رواية «ترمي بشرر...»، التي حازت على الجائزة العالمية للرواية العربية 2010، وحازت روايته «لوعة الغاوية» على جائزة أفضل رواية لكاتب سعودي 2013. من إصداراته عن دار الساقي: «صدفة ليل»، «أنفس»، «لوعة الغاوية»، «الطين»، «فسوق»، و«مدن تأكل العشب»، ما أصدق كاتبنا الذي يصف عشقه للكلمة التي لم تبره بقوله «وجدت نفسي ردماً في نفق وحدة دامسة، ولم أجد معيناً سوى أزاميل الحروف، لشق العتمة بحثاً عن ضوء حياة يشبهني»، أو كما يقول «وكل رواية كتبتها هي اقتراباً من الضوء، ولست آسفاً أنني لم أتجاوز ظلمة ذلك النفق، فلازال في الحياة نفس».

الروائي الكبير عبده خال إنسان جدير بالتقدير فهو علم في عالم الرواية، وتستحق أن تقوم وزارة الثقافة بشراء كتاب أو أكثر لعمل فني سينمائي أو مسرحي، ولو تحقق ذلك ستكون أول مرة تكرمه الكلمة إكراماً مادياً لتعوضه بعض خسائر قلمه.. لماذا لا تشترى هذه الأعمال من هيئة الترفيه أو الإعلام، لماذا تقسو أجهزتنا على روائي عالمي يستحق التقدير والاحترام صاحب مسار طويل.

كلمة صادقة من القلب لكل جهة تعنى بالكلمة.. عبده خال صنع في السعودية، ويستحق أن يلقى الاهتمام اللائق.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد