أمينة خيري
حتى سنوات قليلة مضت، كانت الغالبية تعتقد بأن الحكومات، شأنها شأن الأفراد، تعيش اليوم بيومه. بمعنى آخر، كان هناك اعتقاد بأن كيان الحكومة، أيّ حكومة، ومكوناتها من وزراء وموظفين وعمال وملفات ومكاتب ومبانٍ ومهام، يسير بقوة الدفع. يعيّن وزير، يدير أعمال الوزارة، يذهب الموظفون للعمل، تُكتَب التقارير، وتُنجَز الأعمال بشكل أو بآخر، ويحين موعد الانصراف، فيعود الجميع لبيوتهم، ثم يتوجهون للمصالح الحكومية في اليوم التالي، وهلم جرا.
لكن الحكومات علم وفن وإدارة واستدامة، لذلك هي في حاجة دائمة إلى مواكبة العصر، وأحياناً أن تسبقه بخطوات. متابعة كيفية تعامل الإمارات مع علم الحكومات وفنونه وإدارته ملهمة لمن يريد الإلهام، ونموذج يحتذى به لمن يبحث عن المضي قدماً في عالم يركض ولا ينتظر أحداً.
تابعت أخبار المنتدى الدولي للاتصال الحكومي الذي أقيم في الشارقة بإعجاب شديد.. في وقت نحن في أمس الحاجة للمرونة التي تقي شرور الكسور والشروخ الناجمة عن الخشونة والجمود، والبحث عن سبل اتصال مبتكرة في زمن قائم على الاتصال، شرط أن يكون مناسباً للظروف ومواكباً للتطورات، وحبذا لو كان مستشرفاً لمستقبلها، انعقد المنتدى تحت عنوان حكومات مرنة.. اتصال مبتكر، فكان خير الكلام والفكر والاختيار. اختارت إدارة المنتدى مجموعة من القضايا للمناقشة، والأسئلة للبحث عن إجابات. المرونة الاقتصادية باتت شرطاً أساسياً للتطور والتقدم وإيجاد مكانة متقدمة. وضمن هذه المرونة التخطيط وتفعيل مكون مهم في اقتصادات الدول وهو الاقتصادي السياحي، بالإضافة إلى فتح آفاق جديدة ومستدامة للموارد لتسير جنباً إلى جنب مع الموارد التقليدية.
مثل هذه القضايا بالغة الأهمية لا تكتمل مناقشتها والتخطيط لها دون وضع المكون البشري نصب الاهتمام، وهو المكون الذي ينخرط في البحث العلمي، والذي يقرر كيفية التعامل مع سبل الاتصال والتعلم والتطور الحديثة، ويتعامل مع التحديات المتعلقة بالثروة والحوكمة. هذا المكون البشري لا يظهر أو يزدهر بين يوم وليلة، لكنه عملية مستمرة حيث أجيال تسلم أخرى، وآباء يكتشفون المواهب في الأبناء على مستوى الأسرة والمدرسة والدولة. هذه المواهب هي القادرة على تحقيق الريادة.. وهذه الريادة تحتاج مرونة في التعامل مع الأزمات، كذلك التفاعل مع المستجدات والتعايش مع العصر الرقمي الآخذ في التطور.
لذلك حين يتطرق المنتدى الدولي للاتصال الحكومي في دورته الـ13 لكل ما سبق، فهذا يعني تعاملاً واقعياً وكفئاً مع الحاضر، وقدرة فائقة على استشراف المستقبل.
متطلبات الشعوب ورغباتها في تبوؤ مكانات متقدمة بين الأمم تحتم على الحكومات أن تعمل على أسس مدروسة وواقعية وقادرة على الاستشراف. وهنا تأتي القمة العالمية للحكومات التي تشرفت بحضور عدد من دوراتها السابقة وهي إحدى أدوات الإمارات الاستشرافية والاستكشافية في ما يتعلق بأداء الحكومات ومتطلبات الشعوب في عصر رقمي غير مسبوق.
هذه القمة التي أثبتت جدارة في الوصول إلى معادلة صحية وإيجابية في وضع التكنولوجيا الحديثة في مكانها الصحيح، ألا وهو تسخيرها لمساعدة البشرية على مواجهة التحديات، وليس العكس، وذلك في إطار من المرونة التي يكمن فيها سر النجاح والقدرة على الصمود.
في القمة السابقة التي انعقدت في دبي، تم إطلاق تقرير عنوانه تحويل أنظمة المرونة الوطنية من أجل الأجيال القادمة.. وجاءت فيه الكثير من القواعد والنصائح لتعزيز مبدأ المرونة، والتي تهدف إلى تقليص هوامش المخاطر والأضرار الاقتصادية والاجتماعية المحتملة الناجمة عن الكوارث والأزمات.
مرة أخرى، المرونة فن وعلم، كما أنها اعتياد، حيث الدول التي تتخذها منهجاً تعظم قدرات حكوماتها في مواجهة الكوارث، والتي تتكاثر وتتواتر بشكل غير مسبوق على مدار العقود الـ 5 الماضية. كنا نتمنى ألا تعتري حياتنا أزمات، لكن تغير المناخ والتطورات التكنولوجية المتلاحقة تضعنا في فوهة المدفع، ولن يقينا شروره سوى جاهزية واستعداد ومرونة الحكومات.