كتبنا كثيراً عن أن العقيدة الدينية ليست لها علاقة بالأخلاق، فمئات من المؤمنين، وبينهم رجال دين، يعملون منذ سنوات في مؤسسات حكومية، ويتقاضون مكافآت ضخمة، مقابل القيام بـ«لا شيء»، وخير مثال أغلب من سبق أن عمل في لجنة أسلمة القوانين، التي أسسها وأدارها وبنى صرحها، وأكمل فرشها في منطقة غرب مشرف، قبل أن يصبح رئيساً لجمعية تمثّل حركة الإخوان المسلمين في الكويت، حيث كان أعضاؤها يتلقون الرواتب المجزية شهراً بعد آخر لسنوات، من دون أداء شيء تقريباً، ولم يرف لأحدهم جفن، ومثلهم اليوم عشرات الآلاف من موظفي الحكومة، وبينهم نسبة كبيرة مؤمنة مصلية، كانوا يذهبون إلى أعمالهم، ويثبتون وجودهم، ثم يغادرون مكاتبهم لـ«يداوموا» في المقهى، قبل أن يعودوا ثانية إلى الوزارة لوضع بصمة الخروج، وقلّة منهم، ربما، شعرت يوماً بعدم أخلاقية تصرفاتها!
* * *
قرار الحكومة، الفريد من نوعه، وغير المسبوق، الذي وصفه البعض بالتجسس، من خلال إجبار الموظف على توقيع بصمة ثالثة، للتيقن من وجوده على رأس عمله، أو «لا عمله»، يعتبر من الأمور المخجلة في الإدارة الحكومية، بعد أن عجزت كل أجهزتها في فرض الانضباطية عليهم، بالرغم من أن رواتبهم تبتلع أكثر من %80 من موازنة الدولة، وعجزها الأكبر في إيجاد عمل لهم، بسبب تخلّف الجهاز الحكومي المعني بالتوظيف والتوصيف وتوزيع الأعمال. ومن حيث المبدأ لن يشعر بثقل البصمة الثالثة إلا من لا يقوم بعمل جيد، فعودة العاطلين إلى العمل للتواجد في أروقة الوزارة سيعرقل عملهم.
لا شك أن ضبط الحضور لا يمكن أن يأتي من خلال إجبار الموظف غير المنتج على التواجد، قسراً، فقد يشكل وجوده عبئاً على غيره، وعرقلة، وتأخيراً، خاصة أن إنتاجيته صفر، في ظل جهاز إداري مهترئ يحتاج إلى نسف، وليس فقط إلى بصمة ثالثة!
لكن من جهة أخرى، فإن البصمة الثالثة خطوة ممتازة لضبط الالتزام بالدوام، لفترة قصيرة، تلتقط الأجهزة الحكومية أنفاسها، ويعرف مدير كل إدارة الفائض، الذي لديه من الموظفين، وتخييرهم بين التقاعد المبكر، أو تلقي كامل الراتب الأساسي، من دون أية زيادات، والبقاء في البيت، أو البحث عن أي عمل آخر أو نشاط تجاري، فوجوده ضمن كادر الوزارة عبء نفسي ومالي وأخلاقي، يجب ألا يستمر إلى الأبد.
يجب الاعتراف بأن عدم الالتزام بالدوام هو خطأ مشترك من مرتكب «الخطيئة»، وممّن سمح بوقوعها. وربما انتهت هذه الظاهرة المخجلة للأبد، مع الغياب المؤقت لمجلس الأمة، ونتمنى ألا تعود بعودته.
المهم الآن كيفية معالجة وجود هؤلاء في مبنى الوزارات والدوائر من دون عمل ولا مكاتب ولا «لازمة»، خاصة أن قرار البصمة تزامن مع تعهد ديوان الخدمة المدنية بتوفير عشرات آلاف الوظائف الجديدة للعاطلين عن العمل، وما سيشكله هؤلاء وغيرهم من عبء مستقبلي على العمل الحكومي، وعلى موازنة الدولة، وعلى مؤسسة التأمينات، المتهاكة، بعد تقاعدهم!
التفكير في مخرج لهؤلاء يمثل التحدي الأكبر للحكومة، التي لا خيار لنا إلا بالوقوف معها ودعمها أمام كل ما تواجهه من هجوم من بؤساء المجلس السابق، وأيتام «الباركوود»!
والمقال أو الدراسة القيمة، التي كتبها رجل الأعمال المعروف نجيب حمد مساعد الصالح، عن هذا الموضوع، تتضمن الكثير من الحلول لهذه المشكلة الإدارية، وعلى ديوان الخدمة المدنية الرجوع إليها.
أحمد الصراف