عبداللطيف الزبيدي
أليس من أولويّات الساعة أن تحرص الأمّة على ترميم الهويّة؟ المسائل لا تبدو معقّدة إلى حدّ استحالة الفهم. القضية ثقافية في الصميم، سوى أنها مستعجلة تستدعي تحويل الوعي العام إلى قسم طوارئ. ثقافية بمعنى تغيير طريقة التفكير في مفهوم الثقافة، بحيث يخرج من ثقافة التخزين، إلى ثقافة الفعل. طريقة الإعداد والتحضير بسيطة، مصباحها السحري هو التصالح مع الميراث الثقافي الإيجابي.
تقول: ما هو التراث الإيجابي؟ هو منظومة الأفكار والتعاليم والرؤى والأحلام، التي تُبنى عليها حياة واعية فاعلة تفرض وجودها في الزحام العالمي. بمعنى أن هذه الحياة لو تخيّلناها على هيئة جسم، فإنه يغدو ذا جهاز مناعة عالية تحميه من اختراقات الفيروسات والأعطاب والأعطال، وبنية عضلية قوية يواجه بها أشكال العدوان، وتغذية سليمة تؤمّن له العافية. تصوّرِ الآن ذلك الجسم في صورة أمّة نفوسها أربعمئة مليون، ومساحة ترابها أربعة عشر مليون كم2، وقد ضمنت طعامها وافراً رغداً، وأمِنَت الغوائل، فانطلقت بلا هوادة تحقق تنميةً شاملةً، بإدارة فائقة تنتج وتزرع وتصنع وتبدع وتبتكر وتكتشف وتخترع، بفضل ثرواتها الجوفية والسطحية، وجميع الأصقاع في المشارق والمغارب ترفع لها القبعات، ولا يجرؤ أحد على أن يكلّمها إلاّ حين تبتسم. فجأةً تسمع ضحكات كأنها قهقهات الرعود: «اهبطوا من الغيوم فقد انتهى الحلم».
أمام هجوم الوجوم تغرز سبّابتيك في أذنيك، حتى لا تسمع زئير أشعار الفخر والحماسة، تتمنى بنقرة إلغاء «ديليت» أن تمحو من القرص الصلب وذاكرة الوصول العشوائي في دماغك جميع ملّفات القوة والتنوير الحضاري في التاريخ العربي الإسلامي. معك حق، فحين تكون أمامك بانوراما من الخرائب والحرائق في بلاد العُرْب أوطاني على هامش العصر والتاريخ، من اللامعقول أن يستعيد الذهن بزهو وخُيلاء مشهد الرشيد في شرفته مخاطباً السحابة: «أمطري حيث شئت، فخراجك لي».
الآن، ما رأيك بصراحة؟ هل تحتاج الهوية الثقافية إلى ترميم أم لا؟ كيف ترى أن مجرّد استحضار مشاهد تاريخنا أمسى من قبيل التهريج الكوميدي؟ ثمّة عطل ثقافي في الدماغ، خلل إدراكي، لأن الملايين الأربعمئة أحياء يرزقون، ولو نسبيّاً، والأرض العربية ليست في أورانوس أو نبتون، والثروات الجوفية والسطحية ليست افتراضيةً، فلماذا الشتات والفتات؟
لزوم ما يلزم: النتيجة السجعيّة: ما ملّ العالم الثالث وما كلّ، فكلّما انتهى من«علقة» أكل.