عادل بن حمزة
يخلّد المغاربة الثلاثاء المقبل الذكرى الفضية لتولّي الملك محمد السادس العرش... 25 عاماً شهدت فيها المملكة المغربية تطورات عدة على مستويات مختلفة ومتسارعة، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، ما غيّر ملامح المغرب بشكل يختلف تماماً عن واقعه في نهاية تسعينيات القرن الماضي.
في ظلّ هذه التطورات والتحولات، تعززت مكانة المغرب الدولية، سواء في محيطه الإقليمي والجهوي، أو في علاقاته القارية والدولية، ما جعل من الرباط محطة أساسية لرسم معالم المستقبل، خصوصاً في القارة الأفريقية وغرب المتوسط. وهذه المكانة المتزايدة فرضت على المغرب ضرورة كسب الرهانات والتحدّيات التي يفرضها الوضع الإقليمي خاصة، لذلك مرّ المغرب إلى السرعة القصوى في تقديم بدائل لاختناق مسارات العمل المشترك في الاتحاد المغاربي، وسار يقدّم نفسه قوة إقليمية وجهوية ذات صدقية، ويفتح مجالات للتعاون. ومن أبرز المبادرات في هذا الاتجاه نجد خيار "أفريقيا الأطلسية" التي احتضن المغرب دورتها الثالثة بحضور 21 دولة من القارة مطلّة على المحيط الأطلسي ، وهي مبادرة مغربية مبتكرة تشق طريقها بهدوء لتشكّل أفقاً جديداً للمغرب من خلال ما تفتحه له من بدائل وشراكات في فضاء إنساني واقتصادي واعد، يضمّ أهم اقتصاديات القارة، علماً أن الدورة الأولى عُقدت في الرباط في 6 حزيران (يونيو) 2022، وخلصت إلى أن اللقاء يسعى إلى بلورة رؤية أفريقية جماعية تهمّ الواجهة الأطلسية للقارة، باعتبارها فضاءً حيوياً يساهم في إعادة الاعتبار للهوية الأطلسية لأفريقيا، وفضاءً للتعاون الاقتصادي والأمني والثقافي بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، كما أن ذلك يتيح للمغرب بصفة خاصة تجاوز جمود الاتحاد المغاربي الذي يجعل المنطقة المغاربية الأقل اندماجاً بين مناطق القارة، كما أن مبادرة "أفريقيا الأطلسية" تتوافق أيضاً مع المبادرة التي أطلقها الملك محمد السادس في خطاب المسيرة الخضراء في السنة الماضية، المتعلق بربط دول الساحل والصحراء بالمحيط الأطلسي، كمبادرة تنموية في مواجهة منطق الإرهاب والتجزئة الذي يهدّد الإقليم.
لذلك، فالمبادرة المغربية تعكس رؤية المغرب للقيمة الاستراتيجية للمحيط الأطلسي ومنطقة الساحل والصحراء، وكيف يمكن استثمارها في إطار تعاون جنوب جنوب وفق منطق رابح رابح. هذه المبادرة تدخل أيضاً في إطار قراءة جيوستراتيجية عميقة للتحوّلات على الساحة الدولية، ذلك أن العالم اليوم يشهد عودة كثيفة للاتحادات الإقليمية والجهوية في ظرفية أصبح من الصعب على الدول الدفاع عن مصالحها بشكل منفرد، خصوصاً أن دول المنطقة تواجه تحدّيات عدة.
هذه الدينامية الدبلوماسية المغربية ترتبط أيضاً، في جزء كبير منها، بقضية الصحراء المغربية، وضرورة تسوية نهائية للنزاع المفتعل حول الحدود الترابية للمملكة، والتي يريد البعض أن يجعل منها مبرراً لشلل الاتحاد المغاربي، من خلال القطيعة التي تعرفها العلاقات الثنائية بين كل من المغرب والجزائر.
المغرب، من جهته، حافظ على سياسة اليد الممدودة، مراهناً على المستقبل المشترك لشعوب المنطقة. وقد عبّر عن ذلك بوضوح ومن دون مواربة في خطب رسمية للملك محمد السادس.
قضية الصحراء المغربية ستعرف في عهد الملك محمد السادس تحوّلاً أساسياً، يتمثل في اعتراف الإدارة الأميركية بسيادة المغرب على صحرائه، واعتبار حلّ الحكم الذاتي في ظل السيادة المغربية هو الحلّ الجدّي والممكن والوحيد للنزاع المفتعل. هذا الموقف أعطى زخماً وأهمية كبيرين لدبلوماسية التمثيليات القنصلية في مدينتي العيون والداخلة على سبيل المثال، كما ساهم في تموقع أفضل للسردية المغربية حول النزاع المفتعل في الصحراء، ما نتج منه التغيّر التاريخي في الموقف الإسباني، وقبله الكثير من الدول من بينها ألمانيا. هذا التغيّر في مواقف الدول الغربية الكبرى، واكبها تغيّر مهمّ على الأرض منذ تحرير معبر الكركرات وانسحاب الانفصاليين من اتفاقات وقف إطلاق النار، في ظل واقع جديد يفرضه المغرب بخصوص المناطق العازلة والتي تمثل نحو 20 في المئة من مساحة الصحراء الإجمالية، حيث تعودت الجبهة الانفصالية الحديث عنها في إطار الدعاية بوصفها مناطق متحرّرة.
وقد اعتبرت السفيرة الأميركية في الجزائر إليزابيث مور أوبين، في الأسبوع الماضي، في حوار أجرته مع صحيفة "لاباتري نيوز" الجزائرية، أن الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على صحرائه في عهد الرئيس دونالد ترامب لم يلحقه أي تغيير من طرف إدارة بايدن، وذلك باعتباره "حقيقة تاريخية"، مؤكّدة أنه "منذ عام 2008، ظلّ الموقف الأميركي ثابتاً، معتبراً خطة الحكم الذاتي المغربية حلاً قابلاً للتطبيق". وزادت: "لهذا، لم نغيّر وجهة نظرنا بشأن هذه القضية منذ ما يناهز عقدين من الزمن، وكان هذا هو موقفنا، وأي حلّ يجب أن يمر حصراً في إطار الأمم المتحدة". وهذا يعني بوضوح تام، بحسب الدبلوماسية الأميركية، أن موضوع الاعتراف بمغربية الصحراء يتجاوز طبيعة الإدارة الأميركية، وأنه موقف دولة منذ أن تقدّم المغرب في عام 2007 بمقترح الحكم الذاتي. هذه المواقف الواضحة للإدارة الأميركية ستتعزز باقتراح الخارجية الأميركية تعيين جوشوا هاريس، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، سفيراً لواشنطن لدى الجزائر، وهو ما يحمل رسائل في غاية الأهمية لكل أطراف النزاع، وبخاصة الجزائر، خصوصاً أن هاريس متمكن من مختلف الملفات الإقليمية، وبخاصة ملف الصحراء المغربية التي كانت موضوع جولات مكوكية له شملت الرباط والجزائر وتيندوف، كما أنه في مختلف لقاءاته بالمسؤولين في المنطقة كان شديد الوضوح بخصوص ضرورة إنهاء النزاع والتحلّي بالواقعية، وفضّل التواصل مع الانفصاليين بغض النظر عن الإدارة الجزائرية.
فهل تنجح مختلف الأطراف في التقاط الإشارات الصادرة عن واشنطن؟