سهوب بغدادي
دائمًا يتساءل الشخص عن كيفية تخطي التحديات والأزمات والمنغصات الحياتية على اختلافها، من ألم وغل، وحقد، وغيرة، وفراق، ومرض -حمانا الله وإياكم- وتشعر أحيانًا بأنك شخص غير مرغوب، أو عدم العدالة بينك وبين زميلك البليد في العمل، أو ببساطة الغوص في براثن الاكتئاب دون سبب يذكر، كل هذه الأحداث وغيرها من النوائب دفعت أبلغ الشعراء والأدباء إلى نسج الأبيات والمعلقات المديدة والقصص والروايات العديدة، في الحقيقة، إن هذه الأمور متوقعة ماعدا في المدينة التخيلية الفاضلة التي أرسى قواعدها الفيلسوف أفلاطون، أعلم تمامًا أن الحديث هين وأن الالتزام بما يقال لا يُنال سوى بشق الأنفس، حتى تلك المدينة الأفلاطونية لن تخلو من المنغصات! نعم، إن فكرة أفلاطون ليست أفلاطونية بالمعنى الحرفي، بل تحمل في طياتها معاني الطبقية من خلال تقسيم المجتمع إلى طبقات مختلفة هي: الحكام الفلاسفة، والمحاربون، والعاملون، ويتجلى هنا معنى المحدودية والسيطرة على كل طبقة، ففي حال تطبيقها، سيصعب ظهور فئة جديدة، أو ارتقاء فرد من فئة ما إلى أخرى، أو نزوله إلى دونها احتمالًا، وقد قال سقراط عن أفلاطون: «كل ما يقوله أفلاطون خاطئ»، إذن، أين المفر؟ ومتى أصل إلى السعادة؟ إن الحياة في أساسها عبارة عن سلسلة من التجارب والأحداث والذكريات، ويتوسط كل ما سبق بعض اللحظات السعيدة والراحة والرخاء، وما يسعنا أن نفعله هو معرفة هذه الحقيقة أولًا، ثم الاتسام بالمرونة وعمل أفضل ما يمكن فعله في ذاك الموقف، فإن التشبث بخطة يتيمة يدل على التصلب والنزعة إلى السيطرة على كل الأمور، لذا يتذمر المتذمر ويسخط الساخط عندما لا تتماشى المخرجات مع المأمول مسبقًا، قد تكون سعيت وعملت وبذلت، ومع ذلك لن تكون النتيجة حتمية، فهل ذلك سيء؟ كلا، لأن الرضا وشاح حياة العاقل، من هنا، نستنبط ألا شيء في الحياة حتمي ومحسوم، وأن الأيام دُول ودوام الحال من المحال، والأهم من ذلك، أن المعنى الذي نبحث عنه خلف كل مدلهمة، قد يتوارى عن الأنظار والأذهان إلى الأبد، وتبقى الخيرة فيما اختاره الحكيم العدل، وألطافه الخفية -جل جلاله وتقدست أسماؤه وصفاته- بعباده.
يقول الشاعر المصري فارس قطرية في قصيدته بعنوان «الحمدلله»:
«يجوز كل إللى ضاع منك ما كنش يليق عليك يا جميل
كل شعور وكل حبيب وكل صديق ووقت تقيل
يجوز الماضي كان تعبك وبيلعبك وبيهدك
علشان لما العوض يجي تحس بفرحة التفاصيل
أكيد ربك له حكمة عشان يزيد الحمل على ضهرك
وزي ما زاد عليك الحمل خلق لك كتف صعب يميل
ما فيش واحد ضميره سليم بيفضل يكسر على طول
بيزعل آه ويتعب آه ويجي اليوم وزعله يزول
يدوق من إللي اتحرم منه ويرجع له اللي ضاع منه
وزي ما عاش سنين يصبر يعيش نفس السنين بينول
ما دام ما أذتش بني آدمين ولا في قلبك سواد من حد
وبتراضي إللي بيجيلك وتطلع شهم وقت الجد
ما تشغلش الدماغ بالناس ورب الناس معاك أصلاً
تأكد إن زرع الخير بيطرح في النهاية الورد
يجوز تزعل وتتعكنن من الدنيا وبلاويها
يجوز تشعر بأنك ضيف مالكش مكان في وسطيها
يجوز يأذوك ويجوا عليك لحد ما تبقى مش طايق
وفجأة تلاقي خير جاي لك يرد الروح ويحييها».