: آخر تحديث

دبلوماسية الغرف المغلقة

23
17
16

بعيداً عن الجدل الدائر حول تأخير أو تعليق بعض شحنات الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل، يبقى الثابت والأكيد هو العلاقة العضوية بين الجانبين، بغض النظر عن أي تعارضات ناشئة عن أولوية المصالح غالباً ما كانت تجد حلولاً لها، سواء في محادثات علنية مباشرة، أو من خلال محادثات سرية في إطار ما يعرف بدبلوماسية «الغرف المغلقة».

من المرات القليلة التي خرجت فيها إسرائيل، أو بالأحرى نتنياهو، للحديث إلى العلن عن محادثات سرية تدور في الغرف المغلقة، هو ذلك الحديث عن تعليق شحنات أسلحة في مايو(أيار) الماضي، وجرى تضخيمه لأسباب سياسية وشخصية، رغم أن شحنات الأسلحة لإسرائيل لم تتوقف مطلقاً. إذ إن إرسال الأسلحة تضاعف بعد هجوم 7 أكتوبر(تشرين الأول) أضعافاً مضاعفة، حيث تم إنشاء جسر جوي وبحري جرى خلاله شحن عشرات آلاف الأطنان من الأسلحة والذخائر المتطورة، فاقت حسب تقديرات واشنطن 6.5 مليار دولار. وبالتالي فإنّ الحديث العلني عن تعليق بعض الشحنات كان يمثل ابتزازاً حقيقياً لإدارة بايدن رغم سخائها اللامحدود في دعم إسرائيل على كل المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، علاوة على التدخل المباشر في بعض الأحيان وإرسال البوارج الحربية وحاملات الطائرات إلى المنطقة لحمايتها.

وقد جاء هذا الابتزاز على خلفية الخلاف بين واشنطن وتل أبيب حول إدارة الحرب على غزة، ومطالبة واشنطن المستمرة بوضع خطة لما يسمى ب «اليوم التالي»، فيما يرفض نتنياهو ذلك لحسابات سياسية وشخصية. كما جاء بسبب مطالبة واشنطن بوضع خطة لنقل النازحين إلى مناطق آمنة قبيل اجتياح رفح، خشية من قتل أعداد كبيرة من الفلسطينيين بأسلحة أمريكية، الأمر الذي يزيد من حرج الولايات المتحدة وعزلتها في المحافل الدولية، وهو ما رفضه نتنياهو أيضاً. وبالتالي فقد تم تأخير شحنة واحدة فقط تتعلق بقنابل تدميرية من فئة 2000 رطل، جرى استخدامها في قتل المدنيين على نطاق واسع في قطاع غزة، في حين اعترف مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون أن إسرائيل تلقت أكثر من 14 ألف قنبلة من هذا النوع منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر الماضي.

وبالعودة إلى ما قاله غالانت خلال زيارته لواشنطن، مؤخراً، «بأننا شركاء في الأهداف والخلافات بيننا تحل في الغرف المغلقة»، فإنّ خروج نتنياهو عن هذا النص كان يستهدف التأثير في الانتخابات الأمريكية، وإضعاف موقف بايدن في مواجهة ترامب. ولكن إذا كان من فائدة للخروج عن النص أنه كشف أمرين مهمين، الأول فضيحة عبّر عنها نتنياهو بوضوح بأنه لا يريد من مقترح بايدن سوى استعادة الرهائن ثم استئناف الحرب، والثاني أن واشنطن ليست وسيطاً محايداً، ولن تكون، وأن كل ما تقوم به من تغطية سياسية لما ترتكبه إسرائيل، وكل ما تقدمه من دعم يجعلها شريكاً كاملاً في إبادة الفلسطينيين، سواء جاء ذلك من داخل «الغرف المغلقة» أو من خارجها.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد