30 يونيو (حزيران) 2013 يوم فارق في التاريخ المصري، يوم تبدّل فيه المسار وتغيّر المصير، كانت الدولة المصرية تسير في طريق أدرك الشعب، أنه طريق الضياع فقرر أن يثور ليستبدله بطريق الأمل، وبنجاح ثورته التي خرج خلالها المصريون إلى شوارع القاهرة ومختلف المدن مطالبين بإسقاط حكم المرشد ووضع نهاية للحكم الإخواني لتتحقق للشعب إرادته في الثالث من يوليو (تموز) ويتم خلع الحكم الإخواني والبدء في مرحلة انتقالية تمهد للاستقرار. نجح الشعب في استعادة الدولة من مختطفيها في هذا اليوم الخالد في الوجدان المصري لتعود إلى المسار السليم الذي رسمته لها الجغرافيا وأكده التاريخ وعبّرت عنه أقدم الحضارات الإنسانية. لذا فإن يوم 30 يونيو تعتبره الأغلبية العظمى من المصريين أهم أو على الأقل أحد أهم الإنجازات في التاريخ المعاصر، في حين تعتبره فئة قليلة كابوساً لا يزال يطاردهم رغم مرور 11 عاماً، يوظفون إعلامهم والإعلام الموالي للنيل منه وتشويهه، يطلقون كتائبهم الإلكترونية للتشكيك فيه وفي كل إنجاز تحقق على أرض مصر منذ ذلك التاريخ، يستبيحون المحرمات ويكيلون الشتائم ليس للرموز السياسية المصرية فقط ولكن للشعب القانع بثورته والمعتنق لأفكارها والواعي بكل ما يحدث من تنمية وتطوير وبناء لأجل المستقبل، ورغم حالة التجاهل الشعبي لكل أفعالهم وادعاءاتهم وإسقاطاتهم يواصلون نشر سمومهم التي أصبح الشعب المصري محصناً ضدها، ولم ولن تنال من قناعاته ولن تغير المسار الذي اختاره بمحض إرادته. لا ينكر أحد أن التحديات كبيرة، وأن الأزمات العالمية المتعاقبة ألقت بظلال قاتمة على حياة المصريين، وأن أمّ الأزمات هي معاناة قطاع عريض في تدبير احتياجاته المعيشية بعد الارتفاع الجنوني في الأسعار، وأن تكاليف العيش حرمت قطاعاً من الشعب من الاستمتاع بما تحقق من إنجازات، وأن سقف آمال الناس وطموحات الدولة أعلى من القدرات الاقتصادية، ورغم كل ذلك،
فلا يستطيع أحد أيضاً إنكار أن الشعب لديه من الوعي ما يساعده على استيعاب التحديات والإجراءات التي تتخذها الدولة لتجاوز الأزمات وتحقيق الممكن من الطموحات والسير سوياً على طريق المستقبل آملين أن يكون القادم أفضل.
وحتى لا ننسى، فإن ثورة 30 يونيو لم تكن ثورة على الفراغ، ولم تكن هوجة لتغيير نظام حكم، ولكنها كانت ثورة شعب على نظام إخواني أراد تغيير ملامح دولة رسمها التاريخ وهوية شعب رسّختها، حضارة ضاربة في أعماق الزمن، وقيم متوارثه عبر آلاف السنين. شهد العام الأسود الذي حكم فيه الإخوان مصر الكثير من القرارات التي استهدفت طمس هوية مصر. كانت ثورة شعب التسامح والسلام الاجتماعي ضد نظام حاول أن يزرع الفتنة بين أبنائه ويسيّره في طريق العنف والاقتتال الأهلي. ثورة ضد نظام نشر الإرهاب اللفظي والعنف السلوكي، تاجر بالدين وفرّق بين أبناء الوطن الواحد، ضيّق الخناق على من لا يعتنقون فكره المتطرف وعلى من يختلفون معه دينياً. نظام سمح برفع أعلام جماعات الإرهاب على أرض السلام، وأخرج من سجونها الإرهابيين والمجرمين الذين لوثوها بدماء أبنائها الأبرياء بعفو رئاسي ليتخذوا أماكنهم بجوار أصحاب القرار في مناسبات وفعاليات مختلفة، وقبله دعوتهم لمؤتمر نصرة سوريا، والذي كان مؤتمر العار على مصر والمصريين.
حتى لا ننسى، انتشر خلال العام الإخواني الأسود العنف في شوارع مصر وتم إلقاء أبناء لها أحياء من على أسطح العمارات، تمت أخونة ما أمكنهم من مؤسساتها بوضع عناصر من الجماعة الإرهابية في المواقع القيادية واستبعاد أهل الخبرة والكفاءة انصياعاً لإرادة المرشد، افتعال الأزمات الأمنية بما يشتت جهود أجهزة القوات المسلحة والشرطة وصرفهم عن مواجهة المتربصين بأمن الوطن والمواطن، مساواة رئاسية بين الشهداء والإرهابيين من قتلة جنودنا في سيناء على إفطار رمضاني، اعتداءات على دور العبادة وقتل العشرات من الناس وهم يعبدون رب الناس، توقف حركة الإنتاج في مصر وإصابة الدولة بحالة من الشلل انعكست سلباً على اقتصاد الدولة وحياة الناس.
ثورة الشعب المصري ضد حكم المرشد لم تكن ثورة الأربعة أيام التي أقام خلالها الناس في الشوارع رافضين العودة لمنازلهم إلا بعد إزاحة الرئيس ونظامه، ولكنها ثورة امتدت لسنوات، حيث واصل الإخوان وداعميهم من الدول والجماعات الإرهابية التربص بمصر والنيل من استقرارها، وهو ما فرض على مصر خوض أطول معركة ضد الإرهاب، معركة على كل الجغرافيا المصرية وميدانها الرئيسي أرض سيناء، خاضتها القوات المسلحة والشرطة بدأب وشرف حتى انتصرت على الإرهابيين وطهرت أرضها منهم وفضحت داعميهم. مصر التي ثارت على حكم المرشد والتي حاربت الإرهاب سنوات قادرة على تجاوز الأزمات المتلاحقة التي أفرزتها الحرب الغربية ضد روسيا في أوكرانيا والحرب الإسرائيلية على غزة.. المهم أن يتوحد المصريون وينتبهون لما يحاك لهم في الداخل والخارج.