بموجب معاهدة ماستريخت عام 1993، أعلن تشكيل الاتحاد الأوروبي في صيغته المُحدّثة، بهدف تعزيز التكامل بين دوله بإنشاء اليورو كعملة موحدة، وانتهاج سياسة خارجية وأمنية موحدة، وحقوق مواطنة مشتركة. حين نعود، اليوم، إلى تلك اللحظة سيدهشنا كمّ المدائح التي كتبت وقيلت حول ذلك الحدث، كخطوة تاريخية تنمّ عن انعطاف لا أوروبا وحدها، وإنما العالم كله، نحو بناء الكتل الكبيرة، التي تستوعب لا الدول وحدها وإنما الكيانات الصغيرة، وجنح البعض إلى الزعم بأن مفهوم السيادة الوطنية الذي استقرّ في العلاقات الدولية على وشك الأفول، إن لم يكن قد أفل بالفعل، حسب أولئك المُنظرين.
تعززت هذه الأقوال أكثر بتوسع العضوية في الاتحاد، فبعد أن كان مقتصراً على دول أوروبا الغربية، سرعان ما تمدد إلى وسط وشرق أوروبا، ليضمّ دولاً أخرى مثل بلغاريا، كرواتيا، المجر، التشيك، اليونان، إستونيا، سلوفاكيا، رومانيا، وسلوفينيا وغيرها.
أوهام «أفول السيادة» التي جرى الترويج لها سرعان ما تبددت، أو أوشكت. هنا أيضاً اتضح أنّ «بقاء الحال من المحال». ما حسبناه نهائياً ولا عودة عنه، بدا أنه يمكن أن يكون مؤقتاً، والاتحاد الذي احتفي بقيامه، قابلٌ، هو الآخر، للتصدع، وهذا ما حدث حين خرجت بريطانيا منه. يومها كتبت إحدى الصحف الأجنبية: «بدقّ ساعة «بيغ بن» التاريخية في لندن عند الساعة 23.00 من مساء 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020، خرجت بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي».
بذلك، فقد الاتحاد واحداً من أهمّ أعضائه، ولم تأبه بريطانيا بحقيقة أن هذا الخروج يعني فقدان مواطنيها حق الإقامة الدائمة وتصاريح العمل في دول الاتحاد الأوروبي، فهي بالمقابل كسبت الحدّ من عيش مواطني دول الاتحاد في أراضيها. والمدهش أن رئيس الوزراء البريطاني، يومها، بوريس جونسون، وصف ما جرى بأنه «لحظة عظيمة للبلاد. لقد نلنا حريتنا»، كأنه يقول إن عضوية بلاده في الاتحاد كانت قيداً على حركتها.
هل انتهى الأمر بخروج بريطانيا، وأن الاتحاد باقٍ وقويّ رغم ذلك، بدليل تزايد عدد الدول الراغبة في الانضمام إليه؟
لا يبدو الأمر كذلك. سيناريو مشابه للخروج البريطاني قد يتكرر في المستقبل مع فرنسا، إذا منح الناخبون الفرنسيون حزب التجمع الوطني مقاليد السلطة، فإن البلد قد تسير، آجلاً أو عاجلاً، نحو هذا الخيار، فتيار مارين لوبان وتلميذها الشاب الصاعد جوردان بارديلا، الذي نظر إليه على أنه على هامش الحياة السياسية في فرنسا، موعود بنصر ساحق آخر قريب، على غرار النصر الذي حققه مؤخراً في انتخابات البرلمان الأوروبي.
حسب المؤرخ البريطاني تيموثي جارتون: «ستكون هذه بداية خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، كما حصل في بريطانيا».