: آخر تحديث

مناظرة تعكس الواقع الأمريكي

9
10
10

ينتظر الرأي العام الأمريكي والدولي المناظرة المبكرة التي يعقدها الرئيس الأمريكي جو بايدن وخصمه الجمهوري دونالد ترامب مساء غد الخميس، وكل مؤشراتها تؤكد أنها لن تكون تقليدية وستكون أشبه بمنازلة بين خصمين من «الكاوبوي»، ولو أنها ستجري من دون رماية بالمسدسات.

قبل هذه المنازلة المثيرة، اعتكف بايدن، طيلة أيام، محاطاً بكبار مساعديه في كامب ديفيد استعداداً لملاقاة ترامب، وكل رهانه أن يسدد لخصمه ضربات قاضية تنعش شعبيته، وتمنح حزبه الديمقراطي فرصة لتدارك انقساماته. وبالمقابل يتحرق ترامب شوقاً لمواجهة بايدن الذي لم يره منذ آخر مناظرة بينهما في الانتخابات السابقة عام 2020، ولم يسلمه حتى مفاتيح البيت الأبيض كما جرت العادة كل 20 يناير (كانون الثاني) بعد كل انتخابات أمريكية.

هذه المناظرة، التي تستمر 90 دقيقة، مثل مباراة لكرة القدم دون أي تمديد، ستكون مشوقة، وربما تحطم أرقاماً قياسية في نسبة المشاهدة، نظراً لما بين الرجلين من خصومة قلّ نظيرها في التاريخ الأمريكي، ولما ستحمله من تأثيرات في استقطاب الناخبين، مع وجود شريحة كبيرة لم تحسم رأيها قبل خمسة أشهر فقط من الانتخابات المقررة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

من علامات التشويق في هذه المنازلة السياسية الثقيلة أنها ستجمع بين بايدن (81 عاماً) وترامب (78 عاماً)، وهما أكبر مرشحين سناً لرئاسة الولايات المتحدة، وتحيط بشخصيتيهما تساؤلات كثيرة وشكوك، فالرئيس الديمقراطي يدخل مثقلاً بانتقادات شديدة لسجل إدارته بخصوص قضايا حيوية للولايات المتحدة مثل الهجرة والتضخم وتراجع الدور الأمريكي في عالم يشتعل بالصراعات من أوكرانيا إلى غزة، بينما يدخل المرشح الجمهوري حلبة المناظرة وهو متهم بقضية جنائية وتلاحقه محاكم عدة في قضايا تزوير وتحريض وتهرب ضريبي ورشى.

بناء على هذه المقدمات، فإن المناظرة بين الرجلين ستكون حماسية ومليئة بالمفاجآت، ولن تخلو من الزلات والحركات البهلوانية، لا سيما أن للمتنافسين سجلين حافلين في هذا الشأن تعج بهما وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإخبارية.

وما يزيد من أجواء الإثارة أن المشرفين على المناظرة سنوا إجراءات مشددة لضمان شفافيتها ولمنع خروجها عن السيطرة، وتبدأ قواعدها برمي العملة المعدنية لتحديد منبر كل مترشح في استوديو أتلانتا لشبكة «سي إن إن»، ثم كتم صوت الميكروفون، وسيمنع المرشحان، في هذا الاختبار، من استخدام أي أدوات أو ملاحظات مكتوبة مسبقاً، ولكن سيتم إعطاء كل منهما ورقة وقلماً وماء، كما ستكون المناظرة من دون جمهور مباشر داخل الاستوديو.

وبالنظر إلى كل هذه القواعد، وإلى طبيعة العلاقة بين المتنافسين، فإن نسب المتابعة في داخل الولايات المتحدة وخارجها ستكون قياسية، وقد تسجل لحظة تاريخية فريدة لن تتكرر مرة أخرى.

الاهتمام بهذه المناظرة لا يقتصر على طبيعة شخصيتي كل من بايدن وترامب، وإنما يتجاوز ذلك إلى حالة الولايات المتحدة التي تمر بظرف استثنائي لم تعرفه منذ عقود طويلة، فهذه الدولة العظمى لم تعد كما كانت، وفقدت الكثير من سطوتها وبريقها بسبب أخطاء استراتيجية ارتكبتها نخبتها السياسية في العقدين الماضيين، وربما تكون المناظرة المنتظرة خطأ فادحاً آخر ترتكبه هذه النخبة لتكرس الصورة الأمريكية القاتمة، وتعزز القناعة بأن هذا التدهور شيء من تصاريف التاريخ ومن إرهاصات عصر مختلف.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد