: آخر تحديث

نعي المشاهير قبل وفاتهم

21
25
34

لعلّ وسائل التواصل الاجتماعي سبب نشوء وانتشار ظاهرة إعلان وفاة المشاهير قبل رحيلهم. صحيح أنّ عمر الإشاعات قديم، وربما نشأت مع نشأة البشر، لكن نطاق انتشار الإشاعة كان محدوداً، أما وسائل التواصل الاجتماعي فتملك قدرة هائلة، غير مسبوقة، في أن تجعل من الشائعة، أو «الخبر الكاذب» حقيقة متداولة على أوسع نطاق، وكلما زادت أهمية الشخص أو الجهة المستهدفة بالخبر الكاذب، فإنّ سرعة ونطاق انتشاره يتضاعفان مرّات.

ليس إعلان وفاة المشاهير قبل وفاتهم الفعلية، في بعض الأحيان بسنوات، هو «الخبر الكاذب» الوحيد الذي ينتشر انتشار النار في الهشيم كما يقال، ولكنه بالتأكيد أحدها، والأمثلة على هذا أكثر من أن تحصى.

رحل الروائي السوري حنا مينا عن الدنيا في عام 2018، ولكن خبر وفاته جرى تداوله قبل ذلك بسنوات، ومرات عدّة، وأذكر أني، شخصياً، كنت أحد ضحايا فخ الإشاعة، حين وصفته في أحد مقالاتي بالأديب الراحل، لولا أنّ صديقاً فلسطينياً نبهني، بعد قراءته المقال، إلى أن الخبر غير صحيح.

الشاعر العراقي مظفر النواب توفي في العام 1922، ولكنه كان قبلها، ضحية إشاعات «السوشيل ميديا» بموته، قبل أن يتوفاه الله بسنوات، ولمرات عدّة لا مرة واحدة، وقد لا نفاجأ لو قرأنا يوماً أحدهم ينقل عن الشاعر، أنه قرأ خبر وفاته مراراً قبل رحيله، تماماً كما قال الفنان عادل إمام، الذي تكررت أيضاً إشاعات موته فيما لا يزال حيّاً يرزق حتى اليوم.

شيء مشابه حدث مع الروائي الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز، الذي توفي في العام 2014 عن سبعة وثمانين عاماً، بعد أن سبقت رحيله إشاعات مشابهة عن موته، لدرجة حملت رئيس مؤسسة «إيبرو أمريكا» التابعة لماركيز على التصريح يومها، وبغضب: «لا تضللونا بالشائعات من فضلكم».

لو خرجنا من نطاق الأدب وولجنا عالم السياسة، فإنه بوسعنا إيراد اسمي كلّ من الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، وملكة بريطانيا السابقة إليزابيث الثانية، اللذين لم يقتصر نشر خبر وفاتهما وهما حيّان على وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما شمل بعض وسائل الإعلام التقليدية، ومن ضمنها إذاعة CCN.

آخر من شملتهم إشاعات الوفاة كان المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، الذي أصبح خبر وفاته غير الصحيح حديث الساعة خلال الأيام القليلة الماضية، ولكثرة انتشار الخبر ظلّ الموضوع محلّ جدل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي العربية، وفي تشومسكي كتبت المراثي. أحدهم كتب، غاضباً، ما معناه: «يستحق تشومسكي ما يكتب عنه من ثناء، ولكن هل من كتبوه قرؤوا ولو كتاباً واحداً للرجل؟»

سنختم بعبارة لتشومسكي تقول: «لا أحد سيصبُّ الحقيقة في عقلك، عليكَ أن تكتشفها بنفسكَ».

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد