: آخر تحديث

صناعة «البودكاست» العربي

31
26
24

تشير الأرقام إلى انخفاض مؤشرات البحث عن كلمة «راديو» في «غوغل» مقارنة بالبحث عن «بودكاست». ورغم أنَّ مصطلح «بودكاست» قد ظهر في الغرب من دمج كلمتي «آيبود» (جهاز شركة أبل) و«برودكاست» (أي البث)، فإنه لقي أصداءً منقطعة النظير في العالم العربي، الذي جُبِلَ على حُب الكلام بشتى أنواعه ومنصاته.

أمة العرب، أو بالأحرى من شارك منهم في دراسة نادي دبي للصحافة والمكتب الإعلامي لحكومة دبي الصادرة عام 2023، وجدوا في متابعة «البودكاست» ضالتهم، خصوصاً الذي يغرد خارج سرب السياسة وهمومها. فالأرقام تشير إلى أن المحتوى السياسي كان الأدنى شعبية بلا منازع بين 16 موضوعاً شعبياً، في دراسة شارك بها عرب من مختلف الخلفيات الثقافية.

وجاءت في مقدمة الموضوعات الأكثر الشعبية وفقاً للترتيب: قضايا المجتمع، والترفيه، والأعمال، والصحة النفسية، في المقام الأول، ثم حل بعدها مراحل: التعليم والثقافة، والروحانيات، والرياضية، والجريمة الواقعية، والوثائقيات وغيرها بمراتب دنيا لا تقارن بالأولى. يبدو أنَّ الناس قد شبعت من أحاديث السياسة والمواعظ والحكم وصارت تميل نحو الواقعية وسماع تجارب ثرية ومعلومة عملية تحسن من أنماط حياتهم.

«البودكاست» انطلق عام 2000 من قبل مطور البرامج الأميركي ديف وينر، بصيغة بدت بدائية، ثم ارتفعت سرعات الإنترنت، وتحسّنت وسائل التصوير والميكروفونات، فصار الأمر متاحاً للجميع بحلول عام 2005، كل ذلك أوصلنا لمرحلة «أوج شعبيته في عام 2014»، بحسب الباحث كوب في دراسته المنشورة عام 2023.

غير أنه كغيره من المنصات والقنوات، يهدّده تحدي «التمويل والرعاية» بنسبة 75 في المائة، وهي لا تقارن بتحديات «الترويج والتسويق والوقت» التي قدرت بنسبة 10 في المائة لكل منها. فقد ينهار «البودكاست» مثل بعض الصحف الورقية أو تتدهور جودته إن لم يجد داعماً مالياً. وهذا يتطلب أيضاً مزيداً من البيانات والدراسات لفهم أعمق لهذه الصناعة وتوجهاتها المستقبلية. ورأى أن المستثمر يتطلع إلى قراءة أرقام موثوقة يمكن أن يستند إليها قبل أن ينفق الملايين في منصة سرعان ما يكتشف أنَّها كانت هشة أو «أكذوبة» تختبئ خلف فرقعات إعلامية.

والسؤال الذي يطرح نفسه: «ماذا يريد جمهور البودكاست؟»، هو المحك لاستمرارية حفاوتنا به، ما لم ينحدر ذلك بجودة المحتوى وقيمنا المجتمعية. الناس ما زالت تفضل سماع اللهجة المحلية على الفصحى (كما في الدراسة). وتنشد التلقائية والطرح الواقعي. وليس «البودكاست» إطلالة عفوية يدخل بها الضيف الاستديو حاسر الرأس من عقاله ليبدو عفوياً. فكم من حلقة حرقت سمعة الضيف، لأنه لم يكن لديه ما يطرحه أو اختار نصف موهوب ليقدمه على الشاشات الصغيرة.

إذن مَن يحاول أن يقدم بودكاست «ليغسل أدمغة الناس» سرعان ما سيكتشف الجمهور أمره، حيث صار يتحلَّى بذكاء وذائقة غير مسبوقة تكفيه ضغطة زر لتغيير محتوى الشاشة.

وقد كان اختيار قمة الإعلام العربي في دبي موفقاً في تخصيص جلسات لمناقشة مستقبل «البودكاست»، الذي صار أنيس الناس في حلهم وترحالهم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.