: آخر تحديث

فرنسا والصين.. اهتمامات مشتركة

28
23
27

قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة دولة إلى فرنسا يومي السادس والسابع من مايو الجاري. زيارة تتزامن مع الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وجمهورية الصين الشعبية في سنة 1964. وكانت فرنسا أول دولة غربية تعترف بالصين الشيوعية، ولكن الولايات المتحدة لم تكن تنظر بعين الرضا آنذاك إلى إقامة العلاقات بين باريس وبكين. وكان الجنرال ديغول قال إن إقامة العلاقات تهدف إلى الاعتراف بحقيقة أنه لا يمكن تجاهل الصين؛ كما مثّل هذا القرار مؤشراً على رغبته في عدم اتباع الدبلوماسية الأميركية بشكل أوتوماتيكي. وكانت باريس وبكين إبان الحرب الباردة تتقاسمان الرغبة في الحفاظ على قدر من الاستقلالية داخل كتلة كل واحدة منهما: المعسكر الشيوعي بالنسبة للصين، والكتلة الغربية بالنسبة لفرنسا. ولكن موازين القوى تغيّرت الآن. ذلك أنه في السابق، كان الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا يعادل أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للصين. أما اليوم، فقد بات العكس هو الصحيح. 

والواقع أن النظام السياسي الصيني بعيد جداً عن النظام الفرنسي، ذلك أن فرنسا لا توافق على سياسة بكين تجاه بعض الملفات، غير أن هذه العوامل لا تشكّل سبباً كافياً لعدم وجود علاقات مع الصين، اللهم إلا إذا كان الهدف هو ألا تكون هناك دبلوماسية وسياسة خارجية. وإذا كانت باريس وبكين لم تعودا اليوم من الفئة نفسها من الناحية الاقتصادية، فإن الصين لا تستطيع تجاهل فرنسا لسببين. الأول، هو أن فرنسا عضو دائم في مجلس الأمن الدولي على غرار الصين. أما الثاني، فهو أن فرنسا عضو كبير ومؤثّر في الاتحاد الأوروبي، الذي يُعد أكبر سوق خارجية للصين.

كما أن هناك اختلافات عميقة في الرأي بين فرنسا والصين فيما يتعلق بالوضع في أوكرانيا. فصحيح أن الصين لا تزوّد روسيا بالأسلحة، إلا أنها لا تريد أن تراها تنهار، ولن تستطيع تقبل هزيمتها. والحال أن فرنسا لا تريد تقبل انتصار روسي. والجدير بالذكر هنا أن بكين تتحدث عن أزمة أوكرانية، وليس عن الحرب كما تفعل باريس، وهو ما يؤشّر إلى اختلاف عميق في التحليل. ذلك أن الصين تشير إلى المسؤوليات الكثيرة لحلف «الناتوش في إشعال شرارة الحرب، غير أنه إذا كان لا بد من حل لهذا النزاع يوماً ما، فإنه لا يمكن أن يتحقق بدون الصين.

ثم هناك قضية حرية الملاحة البحرية في بحر الصين. فالصين تعمل على توسيع نفوذها ووجودها هناك، مما يثير مخاوف كبيرة بشأن احتمال عرقلة حرية الملاحة البحرية في المنطقة.

ومن جهة أخرى، ترى فرنسا أنه من الضروري احترام المنافسة الحرة، وأن السوق الفرنسية، وبالتالي السوق الأوروبية بشكل عام، أكثر انفتاحاً على المنتجات الصينية من انفتاح السوق الصينية على المنتجات الفرنسية والأوروبية. فعندما انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية في 2001، كانت ما تزال بلداً نامياً إلى حد كبير. ولكن ذلك لم يعد واقع الحال اليوم. وفرنسا تنوي حماية صناعتها ومصالحها الاقتصادية.

بيد أن هناك العديد من النقاط التي يمكن أن تتفق حولها باريس وبكين. فنحن نعلم أن الولايات المتحدة باتت ترغب بشكل متزايد في جعل الصين ضمن اهتمامات حلف «الناتو»، وهو ما تقاومه فرنسا بحجة أن منظمة حلف شمال الأطلسي إنما تتعلق بشمال الأطلسي، الذي لا تنتمي إليه الصين. ولذلك، فإن فرنسا لا ترغب في رؤية «الناتو» يتحوّل إلى حلف مناوئ للصين، على الرغم من الضغوط المتزايدة التي تمارسها الولايات المتحدة. 

كما تعمل الصين وفرنسا معاً على رهانين عالميين رئيسين. الأول، هو حظر الانتشار النووي. فالصين، شأنها في ذلك شأن فرنسا، ليست لديها مصلحة في أن تصبح إيران قوة نووية. والأكيد أن الصين تتبنى موقفاً أكثر حزماً بكثير من موقف روسيا التي خفّفت قليلاً من حزمها بخصوص هذه القضية لأسباب تتعلق بتحالفها الثنائي مع إيران. أما الرهان الرئيس الآخر، فهو تغير المناخ. وهنا تجدر الإشارة إلى أن التوقيع على اتفاقية باريس للمناخ في ديسمبر 2015 إنما تأتي على الخصوص، لأن الصين، التي كانت من البلدان المتشككة في حقيقة تغير المناخ في البداية، أصبحت ملتزمة بقوة بمكافحة تغير المناخ، الذي يمكن أن يضر بتنميتها أيضاً، بل على العكس من ذلك، ذلك أن الصين باتت ترى في حماية البيئة وسيلةً لتنمية اقتصادها.

ختاماً، لا شك أنه من المفيد لعضوين دائمين في مجلس الأمن، يتبنيان رؤى مختلفة، أن يتعاونا ويعملا معاً من أجل التوصل إلى حلول مشتركة، ولا سيما في هذا الوقت الذي تزداد فيه الصراعات حدة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.