«إرثٌ وأثر» اسم البرنامج الذي أطلقه مجلس أبوظبي للشباب، وذلك بهدف زيادة الوعي بالموروث الإماراتي بين طلبة المدارس الإماراتيين، الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و17 عاماً، وبين الشباب من سن 18 وحتى 35 عاماً، والإسهام في الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيزها لدى هذه الفئات العمرية.
ولتحقيق هذا الهدف يقوم المجلس بتنظيم ورش عمل، بالتعاون مع مجالس أبوظبي في مكتب شؤون المواطنين والمجتمع في ديوان الرئاسة، لتعزيز معرفة الناشئة والشباب بسبل الحفاظ على الموروث الإماراتي والهوية الوطنية.
اختيار اسم «إرث وأثر» في حد ذاته يشير إلى جمالية اللغة العربية، إذ إن كلمتي «إرث وأثر» اللتين هما من باب «الجناس المقلوب» في علم البديع، تنسكبان بجرْسٍ موسيقيٍ جميلٍ في الأذن، وتعبّران عن تواصل الأجيال.
يوم الثلاثاء الماضي، وبحضور معالي الدكتور سلطان النيادي، وزير دولة للشباب، وفي إطار ملتقى «إرث وأثر» الرمضاني، نظم مجلس أبوظبي للشباب في «ساحة خليفة» بأبوظبي، بالتعاون مع مركز أبوظبي للغة العربية، جلسةً حواريةً عن دور اللغة العربية في تعزيز هوية الشباب الحضارية، أدارها الأستاذ عبدالرحمن النقبي مدير إدارة الجوائز في المركز، وكان لي شرف المشاركة فيها مع الأستاذ علي العبدان.
على الرغم من أنني، على مدى أكثر من 25 عاماً، كتبت عشرات المقالات وشاركت في العديد من الندوات والملتقيات، عن أهمية تمكين اللغة العربية في حياة الشباب، لكنها ربما تكون المرة الأولى التي أشعر فيها بأنني أتوجه إلى الجمهور الصحيح الذي يجب استهدافه، وهم فئة الشباب الذين إذا نجحنا في إقناعهم بأهمية اللغة العربية نكون قد نجحنا في الحفاظ على استمرارية هذه اللغة لدى الأجيال القادمة، ونكون قد انتصرنا على العديد من التحديات التي تواجه لغتنا العربية، وهي تحديات كثيرة، منها تحدي التعليم الذي تحول في المدارس والجامعات إلى اللغة الإنجليزية، وتحدي سوق العمل الذي يفرض على طالب الوظيفة إجادة اللغة الإنجليزية ويهمش اللغة العربية، وتحدي الأسرة الذي هو نتيجة للإهمال والتهميش اللذين تتعرض لهما اللغة العربية في مجال التعليم وسوق العمل، وتحدي المجتمع الذي يعتقد بعض أفراده، وعددهم ليس قليلاً، بأن التحدث بأي لغة أجنبية هو دلالة رقيٍّ وتحضرٍ على خلاف التحدث باللغة العربية، وتحدي وسائط الإعلام الذي هو نتيجةٌ لعدم الاهتمام باللغة العربية في المجتمع، وتحدي وسائط الإعلام الاجتماعي التي أصبحت وسيلة التواصل الأولى في مجتمعاتنا الحديثة، ولأن مستخدمي هذه الوسائط من مختلف الشرائح، وهم متفاوتو التعليم والثقافة اللغوية، فإن كمّ الأخطاء في ما يتم تداوله عبر هذه الوسائط كبيرٌ، يجرح مشاعر محبي اللغة العربية ويدمي قلوبهم.
قلت في الجلسة إن الكوريين استعمرهم اليابانيون ما يقرب من نصف قرن، منعوا فيه استخدام اللغة الكورية، وفرضوا على الكوريين تعلّم واستخدام اللغة اليابانية، فنشأ جيلٌ كاملٌ على تعلم هذه اللغة واستخدامها في حياته اليومية، ولما تخلصت كوريا من الاستعمار الياباني وحصلت على استقلالها واستعادت حريتها، كان أول مرسوم يصدر في أول عدد من الجريدة الرسمية الكورية هو مرسوم منع استخدام اللغة اليابانية، وإعادة اللغة الكورية إلى المدارس والجامعات ومؤسسات الدولة والمجتمع، وانطلق من بقي على قيد الحياة من كبار السن الكوريين يلقنون الأجيال الجديدة لغتهم الأصلية.
واليوم يصنع الكوريون المفاعلات النووية والسيارات والهواتف المتحركة وأجهزة الكمبيوتر والتلفزيون والعديد من الأجهزة الإلكترونية التي تنافس الصناعات اليابانية والغربية ويُصدِّرونها، من دون أن يكون هذا على حساب لغتهم التي أعادوا لها مكانتها وهيبتها.
وتساءلت: كيف لا نستطيع المحافظة على لغتنا العربية التي تتكون من 28 حرفاً، بينما استطاع اليابانيون والصينيون وغيرهم أن يحافظوا على لغاتهم التي يربو عدد حروف بعضها على 4000 حرف؟
«اللغة ليست مجرد حروفٍ تُكتَب، ولا مجرد أصواتٍ تُنطَق، ولكنها ذاكرة أمةٍ، ومنهج تفكيرٍ، وأسلوب حياةٍ، وناقل حضارةٍ، وجسر تواصلٍ بين الأجيال». بهذه الكلمات ختمت متمنياً أن تكون الرسالة قد وصلت إلى الشباب الذين سعدت بالتحدث إليهم، مثلما سعدت بعنوان الملتقى، وبالإرث الذي يعمل مجلس شباب أبوظبي على إحيائه، والأثر الذي يعمل شباب المجلس على اقتفائه.