: آخر تحديث

عقدة العصا والطبل والمزمار

7
9
8

هل لديك فكرة عن أحوال مدارس المعلمين العليا في العالم العربي؟ ليس من دماثة الأخلاق أن تعجل مثلاً بالسؤال: هل هي حقّاً عليا كما نرجو ونتمنّى؟ حذار، فسيكون ذلك تلويحاً بالمثل الشعبي اللاذع: «لو كان عندها زيت، كان بان على قُصّتها». القُصّة شعر الناصية ومفرق الشعر. النقد لا يبيح التعريض، فكأنّ المعنى، لا قدّر الله: لو كانت مدارس المعلمين عليا فعلاً، ما كانت أوضاع المناهج العربية مهلهلة. في البلدان التي تصنّف أنظمتها التعليمية في عداد ناطحات السحاب، مثل فنلندا وسنغافورة، الماجستير هي أضعف الإيمان للتدريس في الابتدائية، وفوقها أن يكون الشخص موهوباً في الأساليب التربوية، ذا خلق كريم، غير فظ غليظ القلب، فينفضّ الطلاب من حوله.

على أنظمة التعليم، التجرّد من الاعتداد بما درجوا على ممارسته منذ أكثر من قرن، وعدم الخوف من تصفية بعض الحسابات مع تاريخ التربية العربية، من باب احتمال أن يكون العرق دسّاساً. مثلاً: في عصر الجاحظ، كان الأدب متألقاً، والأساليب لا حصر لها في الإبداع البياني، شعراً ونثراً، فقبل أبي عثمان بكثير كان الناس يصفون الفرزدق بأنه ينحت من صخر، وجريراً بأنه يغرف من بحر، وشتّان ما بين متانة نثر أبي حيان التوحيدي، وانسيابية قلم عبد الحميد الكاتب، وبالرغم من ازدهار الأفكار، خصوصاً في مرابع المعتزلة وإخوان الصفاء، فإن مياه التربية وتجديد التعليم كانت راكدةً، وعليك أن تتحاشى وصفها بأنها كانت آسنة، فحاشا. الجاحظ بسياط أسلوبه الساخر، كوى ظهور المستضعفين «معلّمي الصبيان»، فقد ألحقهم بالحمقى والمغفلين، لمجرد أنهم كانوا يدرّسون الصغار، وهذه مهنة خسيسة في نظره. سخرية إلى حد التهريج في وصف معلم الصبيان، الذي كان يُحضر معه عصاً ومقلاعاً وطبلاً ومزماراً إلى حلقة الدرس فيضرب الصبيّ، فإذا فرّ رماه بحجارة المقلاع، فإن هجم عليه الصبيان قرع الطبل ونفخ في المزمار، ليهبّ الناس لنجدته. كيف عجزت شركات الإنتاج الفني عن الإتيان بمثل هذه الكوميديا الفاقعة ولو في مسلسلات رمضان؟

على وزارات التربية ومراكز البحوث والدراسات أن تنقّب عن جذور هذه النظرة التقزيمية التشويهية لصورة المعلم، قبل الجاحظ وبعده، فمثل تلك المشاهد قد تظل رواسبها في أوكار مورّثات الأنظمة التعليمية قروناً.

لزوم ما يلزم: النتيجة النفسية: الطريقة المثلى للارتقاء بمدارس المعلمين العليا، هي تخليصها من عقدة العصا والمقلاع والطبل والمزمار.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد