في تراثنا العربي العريق وصايا كثيرة وتحذيرات عديدة حول الكلمات التي نقولها، ووصايا بالحرص على اختيار الكلمة، والتي شبهت في كثير من الأحيان بالسهم الدامي الذي يصيب ويقتل، ولا أعتقد أن أمة من أمم الأرض تماثل الأمة العربية التي تملك كل هذا الموروث من التنبيه على الكلمات وأثرها على الإنسان، ففي الأمثال يقال: «لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك»، وأيضاً يقال: «وكم من كلمة سلبت نعمة وجلبت نقمة».
ولعل البعض يعرف قصة المقولة الشهيرة: «رب كلمة قالت لصاحبها دعني».
وتتلخص بأن النعمان بن المنذر، وهو ملك من عصر ما قبل الإسلام، خرج ذات يوم ومعه حاشيته حتى مروا على موضع مرتفع عن الأرض، فوقف عندها النعمان يتأمل المكان فتقدّم إليه رجل وهو يقول يا مولاي لو ذبح أحدهم على سفح ذلك المرتفع إلى أين سيسيل دمه؟ فكر النعمان قليلاً ثم أجاب: والله ما المذبوح إلا أنت، وسنرى إلى أين سيصل دمك، وأمر به فذبح على رأس المرتفع. فقال رجل من أتباع النعمان «رب كلمة قالت لصاحبها دعني».
وفي قصة أخرى لا تقلّ شهرة ومعرفة تدل على عظم الكلمات ووقعها على العقلية العربية، قصة الشاعر الشهير أبي الطيب المتنبي، حيث يروى أنه قال شعر ذمٍّ في رجل من بني أسد، فغضب الرجل وقبيلته بني أسد، وكمنوا للمتنبي في طريق سفره لقتله، ولكنه حين شاهدهم، ضرب خيله للهروب، فصرخ ابنه به وهو يقول: أين قولك: «الخيل والليل والبيداء تعرفني.. والسيف والرمح والقرطاس والقلم»، فعاد يضارب القوم بسيفه حتى قتل.
ولا أنسى المقولة التي باتت حكمة شهيرة للفيلسوف اليوناني سقراط، حيث قال: «تحدث حتى أراك».
هذا الإرث الإنساني الغزير الكبير يدلل بما لا يدع مجالاً للشك على أثر الكلمة وقوتها، لكننا في تعاملاتنا اليومية، نتكلم بعفوية ودون أي حساب أو تدقيق في المفردات التي نصدرها، ونغفل عن كلمات تصدر منا، وكما يقال دون وزنها والتريث في إطلاقها، وننسى أن كلمتنا قد تكون قاسية وتصل لدرجة التسبب بجرح الآخرين.. والمطلوب هو الحرص عند الحديث مع الآخرين ووزن كلماتنا لهم بدقة.