اتخذت العديد من الدول إجراءات فعالة لتحقيق الاستدامة في مختلف نواحي الحياة نظراً لما تشكله من حاجة ملحة لحماية الموارد وضمان حقوق الأجيال القادمة، وتقليل الهدر في الطاقة والمياه والغذاء، إضافة إلى خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري للحد من تداعيات التغيّر المناخي، فالاستدامة بأبعادها الثلاث الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، هي بمثابة حجر الزاوية للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة التي تعتمد على مجموعة من الحلول المبتكرة وعلى رأسها توفير مشاريع البنية التحتية التي تؤثر على أكثر من 90% من المقاصد الواردة في تحقيق تلك الأهداف، إضافة إلى الاستفادة من مصادر الطاقة الطبيعية والحرص على إيجاد قطاع صحي وتعليمي قوي وقادر على دفع عجلة التنمية.
ونحن في دولة الإمارات العربية المتحدة لدينا قناعة راسخة بحكمة قيادتنا الرشيدة ورؤيتها الثاقبة في استشراف المستقبل، حيث أولى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، اهتماماً خاصاً بالاستثمار في موارد الطاقة وتنويع مصادر الدخل والمواءمة بين التنمية والحفاظ على البيئة، ووضع العمل المناخي في صميم استراتيجيتنا، مما أسهم في تحقيق إنجازات استثنائية ونمو اقتصادي مستدام، كما عملت حكومة دولة الإمارات على تنفيذ العديد من السياسات والممارسات لتعزيز مفاهيم الاستدامة على المستويين المحلي والعالمي، وتبنت منظومة متكاملة من التشريعات لتعزيز جهود الدولة في قضايا الاستدامة ومواجهة تداعيات التغير المناخي، إضافة إلى استثمارها أكثر من 50 مليار دولار في مشروعات الطاقة النظيفة في 70 دولة، وتعهدت باستثمار 50 مليار دولار أخرى في هذا القطاع على مدى العقود المقبلة، مما خلق فرصاً غير مسبوقة لإشراك قطاع الطاقة في ثورة تكنولوجية تقودنا إلى مستقبل مناخي إيجابي مزدهر.
ونظراً لأهمية الاستدامة أعلنت دولة الإمارات بأن يكون عام 2023 «عاماً للاستدامة» لإبراز الجهود الريادية للدولة في قضايا الاستدامة البيئية، وتعزيز الجهود الدولية سعياً لتحقيق الاستدامة الشاملة، وما يؤكد ذلك حرص دولة الإمارات على دعم أجندة العمل المناخي استضافتها خلال العام ذاته للحدث العالمي مؤتمر الأطراف «COP28» والذي توج بنتائج استثنائية على رأسها اتفاق الإمارات التاريخي للعمل المناخي والذي وضع العالم على مسار العمل الصحيح لبناء مستقبل مستدام للبشرية بما يحقق التوازن بين متطلبات التنمية والعمل المناخي.
وانسجاماً مع تلك المساعي، فقد ساهم صندوق أبوظبي للتنمية في نشر مفاهيم الاستدامة محلياً وعالمياً، مراعياً للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للدول المستفيدة على حد سواء، إذ حرص الصندوق على إطلاق المبادرات النوعية لتمويل المشاريع التنموية التي تأخذ بعين الاعتبار جوانب الاستدامة وحاجة المجتمعات إلى توفير فرص عمل وتعزيز المشاركة المجتمعية وتقديم الخدمات الأساسية لكافة أفراد المجتمع.
خلال العقود الخمسة الماضية قام الصندوق بتمويل مشاريع تنموية في قطاعات حيوية، كالبنية التحتية، والطرق والمواصلات والطاقة المتجددة، فضلاً عن تشييد المطارات والسدود التي عملت على توسيع الرقعة الزراعية لتحقيق الأمن الغذائي، وغيرها من المشاريع الاستراتيجية في قطاعي الخدمات التعليمية والصحية، إذ ساهمت تلك المشاريع في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة للدول النامية في أكثر من 104 دول في قارات العالم المختلفة، وبقيمة إجمالية بلغت أكثر من 180 مليار درهم إماراتي.
ومن المبادرات الاستراتيجية المهمة التي أطلقها الصندوق في عام 2013 مبادرة تمويل مشاريع الطاقة المتجددة بالتعاون مع «آيرينا»، والتي بلغت قيمتها 350 مليون دولار، حيث ساهمت في تعزيز الانتقال نحو استخدام الطاقة المتجددة من خلال تمويل 26 مشروعاً، استفادت منها 21 دولة نامية، وبلغت الطاقة الإنتاجية للمشاريع 265 ميغاواط، ووصل إجمالي عدد المستفيدين إلى أكثر من 4.5 ملايين نسمة. كما ساهمت المبادرة في توفير ما يقارب 88 ألف فرصة عمل للسكان المحليين في المجتمعات المستفيدة من المشاريع.
وبناءً على نجاح المبادرة وتحقيق أهدافها، ساهم الصندوق في إطلاق عدة مبادرات استراتيجية لدعم مشاريع الطاقة، كان آخرها المساهمة عام 2022 في منصة تسريع تحول نظام الطاقة (ETAF) كشريك مؤسس من خلال استثمار 400 مليون دولار، لتوسيع نطاق تمويل مشاريع الطاقة المتجددة في الدول النامية بحلول عام 2030. وبالرغم مما تتسم به الاستدامة من طبيعة عالمية، إلا أن مواءمة تلك الأهداف وتنفيذها يتطلب مراعاة الواقع الاقتصادي والاجتماعي لمختلف الدول وتوفير المناخ المناسب لدعم أهدافها وبرامجها، والعمل المشترك بين الحكومات ومؤسسات المجتمع لتحقيق التوازن بين التنمية وحماية البيئة وتحسين جودة الحياة، فالدول أصبحت اليوم أكثر فاعلية واهتماماً بالدور الريادي الذي يمكن أن تمثله الاستدامة في خلق الفرص التي تدعم الاقتصاد وتدفعه باتجاه النمو.
لذلك فإن صندوق أبوظبي للتنمية يؤكد على أهمية الاستدامة والقضايا المرتبطة بها كركيزة أساسية لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة، حيث يعمل على تعزيز انتشار مشاريع الطاقة النظيفة وبناء الشراكات الفاعلة، وبما ينسجم مع سجل دولة الإمارات الحافل واستراتيجياتها المتنوعة في هذا المجال والتي تسهم في حماية البيئة وتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة.