: آخر تحديث

مجلس التعاون والمملكة المتحدة

39
31
34

سعت كل من دول مجلس التعاون الخليجي، والمملكة المتحدة منذ مغادرتها الاتحاد الأوروبي عبر ما يسمى «بريكست»، إلى توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بينهما، حيث وصلت المباحثات في فترة سابقة إلى خطها النهائي، إلا أنها تباطأت فيما بعد لأسباب خاصة بكل طرف.

ومؤخراً نشطت مرة أخرى تلك التوجهات من قبل الطرفين للإسراع في تجاوز بعض العقبات، وبالأخص تلك الخاصة بتحرير الخدمات المالية وتنقل الاستثمارات، والتي عادةً ما تعتبر الأكثر تعقيداً من بين أكثر من 70 مجالاً تخضع للمفاوضات، بما فيها تجارة السلع والتبادلات التجارية بشكل عام.

ومن المقرر أن تعقد جولة مفاوضات جديدة بين الجانبين قريباً، لحسم القضايا العالقة، وتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة طال انتظارها. وهي اتفاقية مفيدة للطرفين، فبريطانيا التي فقدت حريةَ الانتقال والتجارة مع دول الاتحاد الأوروبي، بعد خروجها من الاتحاد، والذي احتل المركز الأول بين شركائها التجاريين، أضحت بحاجة ماسة لإيجاد البديل من خلال توقيع اتفاقيات للتجارة الحرة، بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي رسوماً على وارداته منها، إذ وقّعت منذ خروجها عدة اتفاقيات للتجارة الحرة، كتلك الموقعة مع أستراليا، وهي تسعى إلى عقد المزيد من هذه الاتفاقيات، وبالأخص مع دول مجلس التعاون التي تتمتع بأسواق مزدهرة، وبقوة شرائية كبيرة.

ومن جانبها تحتاج دول المجلس للسوق البريطانية ذات الكثافة السكانية والموقع المالي والتجاري المميز، لتنمية صادراتها مع أحد أهم شركائها التجاريين التقليدين، حيث تركز على الاستفادة من الاتفاقية المنتظرة لتنمية بعض القطاعات الحديثة من خلال المشاريع المشتركة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، أي القطاعات التي تكتسب المزيد من الأهمية للاقتصادات الخليجية، ما سيساهم في دعم النمو الاقتصادي بدول المجلس.

وتعتبر بريطانيا حالياً من أهم الشركاء التجاريين للدول الخليجية، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين 77 مليار دولار وفق وزير الدولة للسياسات التجارية في وزارة الأعمال والتجارة البريطانية «غريغ هاندز»، حيث نما التبادل التجاري بصورة متسارعة في السنوات القليلة الماضية بفضل تحرر بريطانيا من القيود التجارية التي كان يفرضها الاتحاد الأوروبي على بعض السلع الخليجية.

وتشكل قطاعات الخدمات المالية والاستثمار أهميةً كبيرة للاقتصادات الخليجية، وبالتالي يتم التركيز عليها من قبل دول المجلس. وكما هو معلوم، فإن الاستثمارات الخليجية في قطاع البنوك والعقار البريطانية تعتبر واحدة من الأعلى على مستوى العالم، وهي بحاجة للمزيد من التسهيلات، إذ ستساهم الاتفاقية المزمعة في زيادة حجم هذه الاستثمارات، ورفع عوائدها المجزية للمؤسسات الاستثمارية بدول الخليج، بما فيها الصناديق السيادية.

وفي الوقت نفسه، فإن توقيع هذه الاتفاقية سوف يؤدي إلى انتقال بعض الاستثمارات الخليجية من دول الاتحاد الأوروبي بسبب الرسوم والضرائب العالية إلى المملكة المتحدة، وإلى زيادة التدفقات المالية لدول المجلس نحو بريطانيا على حساب الدول الأوروبية الأخرى. وستترتب على هذا نتائج إيجابية أخرى تتعلق بتنمية المنافع المشتركة في بقية القطاعات، كالنقل والسياحة، خصوصاً أن بريطانيا ستبدأ في تقديم تسهيلات جديدة للمواطنين الخليجيين تتمثل في تأشيرة إلكترونية متعددة الاستخدام لمدة سنتين، اعتباراً من بداية شهر فبراير الجاري.

ومجمل هذه المكاسب التي يتوقع تحقيقها للطرفين تتطلب تقديمَ بعض التنازلات والتعامل معها بروح مهنية بعيداً عن أي اعتبارات أخرى تتعلق بالشؤون الداخلية أو بالسياسات الخاصة بكل طرف، والتي أعاقت في السابق توقيع اتفاقيات مماثلة بين دول المجلس، وبعض الدول والتكتلات الاقتصادية الأخرى، فما هو مهني يجب أن يبقى ضمن الحدود المهنية المتعارف عليها حتى يمكن الوصول لتوافقات تخدم الأطراف المتعاقدة، وتحقق لها المكاسب المرجوة من مثل هذه الاتفاقيات.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.