: آخر تحديث

«نؤوم الضحى»

13
12
13

«نؤوم الضحى» من التعبيرات العربية البليغة، ويقصد بها المرأة التي لا تصحو باكراً، وتواصل النوم حتى الضحى، أو منتصف النهار، واختلف المفسرون حول ما إذا كانت هذه الصفة مديحاً أو هجاء، خاصة بعد أن وردت في بيت شعري شهير لامرئ القيس قال فيه في وصف امرأة قيل إنها حبيبته: «وَتُضْحِي فَتِيْتُ المِسْكِ فَوْقَ فِراشِهَا/ نَؤُومُ الضَّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّل»، بين من رأى أن الوصف «كناية عن غنج المرأة ودلالها وعيشتها المرفَّهة»، حيث إنها تنام حتى وقت الضحى، وفتات المسك فوق فراشها، وبين من رأى أن في الوصف إشارة إلى أن لدى المرأة من يخدمها، ولا يتضمن مديحاً للإكثار من النوم. وعلى سبيل الطرفة نقرأ على صفحة إبراهيم طلحة قوله: «أما اليوم، فإن أم «نؤوم الضحى» تنادي على ابنتها: أذّن الظهر، قومي قامت قيامتك!».

ليس امرؤ القيس وحده من وصف «نؤوم الضحى». مثله فعل الشاعر مهيار الديلمي، حين قال: «ساهرةُ الليلِ نؤومُ الضُّحَى/ ريَّانةٌ والأرضُ تشكو الظَّما»، والديلمي من أهل بغداد، وهو من أصل فارسي، لذلك قال عنه موقع «الديوان» إنه جمع «بين فصاحة العرب ومعاني العجم»، ويورد الموقع نفسه قولاً لشاعر آخر من العصر العباسي، عاش بين حلب ودمشق، وكان من روّاد مجالس سيف الدولة، هو أحمد بن محمد بن الحسن الحلبي الأنطاكي المعروف بالصنوبري، وفيه يقول: «نَؤُومُ الضّحى أُهْبُ القَنافِذِ عندَهُ/ إذا ما عَراهُ النّومُ أُهْبُ الثّعالِبِ».

هل يجوز لنا أن نخرج وصف «نؤوم الضحى» عن سياقه الذي أتينا عليه، مجرد وصف لامرأة مدللة لا تصحو إلا متأخرة، لنرى فيه تعبيراً عن غفلة الإنسان عن ما يجري حوله من أحداث حاسمة، ربما لا تظهر نتائجها فوراً، ليصحو الناس ذات «ضحى» بعد غفلة طويلة على كوارث ظهرت مقدّماتها، ولكنهم لم ينتبهوا إليها في حينه؟

لكل حدث مقدّماته. العيون البصيرة والعقول اليقظة تلحظها وتحذّر منها، ولكن ما أكثر ما يجري تجاهل تحذيراتهم. أليس في حكاية زرقاء اليمامة، سواء كانت حقيقة أم متخيلة، كل العبرة، حين حذّرت قومها من الغزاة القادمين الذين رأت بعينيها مقدّمات جحافلهم، ولكن القوم سخروا منها، ولم يأخذوا تحذيرها على محمل الجدّ؟ ولنطرح هذا السؤال من باب تقريب الفكرة: هل جرب «نيام الضحى» أن يسألوا أنفسهم: كم هي عدد المرات، منذ أن بدأ العدوان الإسرائيلي على غزّة، التي ناموا فيها، ليصحوا الضحى ويجدوا أن عدد الشهداء قد تضاعف، لا مرّة واحدة فقط، إنما مرّات، ومثلهم أعداد الجرحى، وأعداد المباني التي دمرت على رؤوس وجثث ساكنيها؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد