إذا كانت إسرائيل تفرض انتهاكاتها للقانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة كأمر واقع، ثم يصل الحال يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بتحدي رئيس وزرائها نتنياهو للعالم كله، وهو يقول في اجتماع لحزب الليكود، إنه الوحيد القادر على منع قيام دولة فلسطينية، والوحيد القادر على الصمود في وجه أي ضغوط أمريكية.. عندئذ ألا يكون من الطبيعي والمنطقي أن تتخذ دول عديدة خطوة نحو الاعتراف بدولة فلسطين؟ وليس أيسر الآن من تلاقي أكثر من مئة دولة نحو هذا الهدف.
إن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني عاد ليحتل مقدمة الاهتمامات عالمياً، وحتى إذا لم تتخذ دول الغرب موقفاً عاجلاً في هذا الاتجاه، فإن تظاهرات الملايين في تلك الدول تنادي بحق الفلسطينيين في دولتهم.
لقد سبق أن صوّتت 139 دولة من بين أعضاء الأمم المتحدة وعددهم 193 دولة، بالاعتراف بدولة فلسطين بكامل أراضيها. وإن كانت ثلاث دول غربية، هي أمريكا وفرنسا وبريطانيا، قد ربطت اعترافها بدولة فلسطين، بحل النزاع أولاً مع إسرائيل سلمياً. مع أن الجميع يعرف أن إسرائيل لم تقدّم أي بادرة لهذا الحل السلمي، وأمامهم إعلان نتنياهو في تحدٍّ للعالم بأنه لن يقبل بقيام دولة فلسطينية.
وفي أمريكا ذاتها علت أصوات تطالب بإعلان دولة فلسطين، وهو ما نقلته صحيفة «واشنطن بوست»، عن أصوات ذكرت أنها تعلو الآن في أمريكا تقول علينا الآن الاعتراف بدولة فلسطينية، وأن الفلسطينيين لم يعودوا قادرين على تحرير أرضهم بالوسائل السياسية. وقالت: ولذلك يجب على الرئيس بايدن أن يعترف بشجاعة بدولة فلسطينية ديمقراطية مستقلة، تعيش جنباً إلى جنب في سلام وأمان مع إسرائيل.
إن القواعد الشرعية لقيام دولة فلسطين قد تأسست منذ قرار الأمم المتحدة رقم 181، الذي كان نتيجة لقرارها للتقسيم في عام 1947 بإيجاد دولتين إسرائيل وفلسطين.
ثم إن قرار مجلس الأمن رقم 242 طالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في عام 1967، واعترف بوحدة الأراضي والاستقلال السياسي لجميع الدول، ثم أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3236 في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1974 تعترف فيه بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال الوطني، والسيادة في فلسطين. ولحق بذلك في عام 1988 اعتراف كثير من دول آسيا وإفريقيا الأعضاء في حركة عدم الانحياز بدولة فلسطين. معنى ذلك أنه يوجد أساس دولي واقعي للتحرك نحو هذا الهدف.
إن العالم مشغول الآن بمسألة قضية الدولة الفلسطينية، والتي تحتل قمة الاهتمامات الدولية. ومثلما كتبت عالمة السياسة كلير روث، أن مسألة إعلان الدولة الفلسطينية كانت مختلفاً عليها لعقود بين أطراف عديدة، لكن الوضع الحالي الذي أسفرت عنه أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، ثم حرب الإبادة على غزة، قد هزّت مشاعر شعوب العالم، وأيقظتها من سلبيتها تجاه الحالة الفلسطينية، وهو ما أعادها إلى مقدمة الاهتمامات.
الآن تلفت الأنظار توجهات قوية وضاغطة على حكومات دول الغرب المترددة في دفع الأمور نحو الاعتراف بدولة فلسطين، توقفت أمام إحداها ممثلة في جلسة نقاش مطولة بمجلس العموم البريطاني بتاريخ الخميس 24 فبراير/شباط 2022، يطالب فيها الأعضاء حكومتهم باتخاذ موقف عاجل للاعتراف بدولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وشارك في الجلسة 35 متحدثاً من النواب، وكلهم تقريباً طالبوا بالاعتراف بدولة فلسطينية، وربما كانت النائبة جولي إيليوت التي افتتحت الجلسة، قد لخصت رأي باقي الأعضاء. فقد قالت، إن الوقت كان قد حان منذ سنوات للاعتراف بدولة فلسطين، بينما نحن نرى في كل عام تصرفات لحكومة إسرائيل، وهي تتعمد خلق حقائق جديدة على الأرض بالبناء والتوسع في المستوطنات غير المشروعة، وضمّ أراضٍ فلسطينية.
إن الاعتراف بدولة فلسطين لن يكون تصرفاً منفرداً، ما دامت 138 دولة بالأمم المتحدة قد سبق أن اعترفت بها. وهو ما كانت قد أشارت إليه كلمات أعضاء مجلس العموم البريطاني، وقولهم إننا لهذا ندعو للاعتراف بدولة فلسطين فوراً وفي الحال.